نعود إلى الأستاذ فاروق القاضى فى كتابة الموسوعى «راعى البقر خليفة القرصان- اللعب على المكشوف» ولأن «القاضى» يعتمد على توثيق كل سطر فى كتابه فإنه انتقل إلى أقوال القرصان وراعى البقر فتعالوا نطالعها إذ قرروا اللعب على المكشوف.
ـ الرئيس الأمريكى أيزنهاور.. «لابد من خطة مكيافيللية رفيعة المستوى حتى نصنع وضعاً مناسباً لمصالحنا فى الشرق الأوسط.
ـ أنتونى إيدن رئيس وزراء إنجلترا: لا بد من اغتيال عبدالناصر إذا تطلب الأمر ذلك.
ـ الرئيس الأمريكى روزفلت: إن الفراغ فى الشرق الأوسط يجب أن نملأه نحن قبل أن تقدم روسيا على ذلك.
ـ جون فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا (1956) «يتعين علينا العثور على طريقة نجعل بها ناصر يتقيأ ما يحاول ابتلاعه».
ومرة أخرى يعود إلى راعى البقر الأمريكى ودستوره فيختار لنا مواقف ثلاثة أجيال من رؤساء أمريكا وكيف نظروا إلى دستورهم
ـ توماس جيفرسون «لا يوجد أى دستور درس بعمق شديد وجرى تفصيله بشكل جيد مثل دستورنا لكى يكون صالحاً لبناء إمبراطورية واسعة»
ـ فرانكلين روزفلت: «دستورنا شديد البساطة وآلياته عملية مما يمكنه باستمرار من تلبية احتياجات قد تبدو مستحيلة من خلال تغييرات فى التعبير أو الترتيب تأتى دون إضاعة جوهره».
ـ جورج بوش «إن حرب الخليج قد مكنتنا من إعلان ميلاد قانون دولى جديد «(ص325).
ولكى نعرف معنى الديمقراطية الأمريكية فى عمقها التاريخى ينقل لنا فاروق القاضى عبارات مهمة من كتاب مهم لأنطونيو نيجرى - الإمبراطورية - (2000) صفحة 216 من الطبعة الإنجليزية) الذى ينقل عن أحد المؤسسين (توماس جيفرسون) «لم يكن من الممكن إدماج السكان الأصليين كجزء مكمل للدستور، بل كان من الضرورى اجتثاثهم من الأرض لجعل التوسع ممكناً. تماماً كما أن الأرض يجب أن تتخلص من أشجار الصبار والصخور حتى يمكن زراعتها.. ولهذا يجب أن تتخلص الأرض من سكانها الأصليين» (صفحة 336) ويمضى بنا فاروق القاضى مع نيجرى لنقرأ «أما السود فكان من الضرورى استيعابهم لأنهم كأدوات عمل ضروريون للإنتاج. ولهذا وبعد حوارات دستورية شاملة توصل السيد الأبيض بكل سخاء إلى اعتبار أن العبد يساوى ثلاثة أخماس الحر» (صفحة 336) ثم يمضى بنا المؤلف ليكشف عن القاموس الأمريكى الجديد بعد ظهور الاتحاد السوفيتى. ويقول «ففيما كان الاستعماريون القدامى يفقدون مستعمراتهم الواحدة تلو الأخرى ويغادرون الحلبة كلاعبى الملاكمة العواجيز ليحل محلهم راعى البقر الأمريكى كلاعب جديد، أصبح القاموس الجديد لأمريكا أن تحارب شعب فيتنام وتقتل شعبه بوحشية كى تحرره من خطر الشيوعية السوفيتية. لكن ثوار فيتنام هزموا الإمبراطور راعى البقر. لكن الأمريكيين لم يعترفوا أبداً بالهزيمة العسكرية وإن اعترفوا بهزيمة سياسية قاسية. وبدأ راعى البقر فى استخدام سياسة جديدة وهى السيطرة على المنظومات الدولية الأمم المتحدة - صندوق النقد الدولى - البنك الدولى، وحتى الاتحاد الأوروبى والناتو، ليطالب الجميع راعى البقر بأن ينصب نفسه قائداً لنظام دولى جديد فى كافة الصراعات الإقليمية. إنه تطبيق لقول جيفرسون (المؤسس) مشيراً إلى الدستور الأمريكى «هذا الدستور إمبراطورى (أى توسعى) وليس إمبريالياً (أى استعمارياً). (صفحة 341) ثم يقودنا المؤلف إلى رحلة راعى البقر فى دعم الإرهاب بمقولة مقاومة الوجود السوفيتى فى أفغانستان ولأن هؤلاء الذين تجمعوا هناك من بلدان عديدة وسموا أنفسهم بالمجاهدين كانوا فى أغلبهم قطبيين (أتباع سيد قطب) وآتين من عباءة جماعة الإخوان التى تتاجر بالإسلام بيعاً وشراءً وتعمل لحسابها فقط وفقاً للمبدأ الذى وضعه حسن البنا لجماعته والذى طبقته دوماً ولم تزل تطبقه «لعبة المصالح المشتركة مع الطاغوت» أى تتحالف مع الشيطان حتى تستجمع مزيداً ومزيداً من القوة ثم تنقلب على الشيطان حليف الأمس.. فقد استقوت الجماعة من خلال قيام ما يمكن تسميته بجيش التأسلم الإرهابى الأممى فى أفغانستان.. فتعزز تنظيمها الدولى وتمددت أصابعها إلى أماكن عدة (باكستان - ماليزيا - إندونيسيا - العراق - سوريا - ليبيا.. وعديد من الدول الأخرى) لكنها تظل أيضاً قادرة على التلون لتقيم فى بريطانيا ما سماه المؤلف (لندنستان) ووجود فى تركيا وقطر، وتتحرك الأصابع لتحذر راعى البقر الحقيقى والجديد ترامب فيخشى أن يلمسها حتى لا تضربه فى هذا المكان أو ذاك من العالم.
وفى الخاتمة يقول فاروق القاضى «لم أضع هذا الكتاب حتى أهاجم بريطانيا (القرصان) ولا راعى البقر (أمريكا) ولا اليمين الفاشى الإخوانى عميل راعى البقر. ثم ينحنى فاروق القاضى ليتحدث عن انطباعات متداخلة حول الوضع الراهن فى مصر وهو بطبيعته وضع بالغ التعقيد وفيه تغيرت ضرورات عديدة وتداخلت قوى هامشية عديدة تسعى كل منها على قدر طاقتها كى تحدث ضجيجاً بلا صدى، وتحولت قوى التأسلم إلى ديناصورات ضخمة لكنها لمن يراها بعمق منقرضة وستنقرض، وأفاعٍ سمومها أخطر وأشد فتكاً وتستمد مزيداً من قوتها من حنان آتٍ من السلطة لا تستحقه وعدو أجنبى أمريكى - أوروبى - تركى - قطرى - إيرانى شديد الشراسة ولا يهدأ، بل يصمم على ضرب النظام الذى رغم نجاحاته يتعثر فى مواجهة كبار الملياديرات، هذا الواقع المعقد جداً جعلنى أختلف كثيراً مع صفحات الخاتمة لأنها رؤية فوقية. ويبقى رغم ذلك إعجابى الشديد جداً بالصفحات الرائعة الممتدة عبر 358 صفحة، مختلفاً مع الثلاثة عشر صفحة الأخيرة. فشكراً وعذراً للكاتب الموسوعى المتعمق والمغموس بحب مصر فاروق القاضى.