بعد نجاحه المفاجئ فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية، أصبح معروفاً لدينا جميعاً اسم «إيمانويل ماكرون»، الرئيس الجديد للجمهورية الفرنسية. ولا يمارى أحد فى أن وسائل الإعلام أسهبت فى تناول بعض جوانب الحياة الشخصية للرئيس الفرنسى الجديد، لا سيما فارق السن الكبير بينه (39 عاماً)، وبين زوجته ومدرسته السابقة «بريجيت ماكرون»، التى تبلغ من العمر 64 عاماً.
والحق أن أمور الحياة الشخصية شأن خاص بالفرد المعنى نفسه، ولو كان من الشخصيات العامة، ولا يجوز لغيره أن يعطى نفسه حق التطفل عليها أو الحديث عنها، طالما أنها لا تؤثر على حسن قيام الشخصية العامة بأعباء مسئولياتها. وهذه الحقيقة ينبغى أن نكون أول من يحرص عليها، التزاماً بتعاليم ديننا الحنيف، التى تؤكد أن «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (حديث نبوى شريف). يضاف إلى ذلك أن حياة الشخصيات العامة تكون فى الغالب حافلة بالكثير من المحطات والدروس التى يمكن الاستفادة منها، وينبغى بالتالى إلقاء الضوء عليها، بدلاً من الثرثرة والحديث عن مسائل شخصية لا طائل من ورائها. إذ يُعتبر الحديث فى مثل هذه الأمور، وفى أحسن الأحوال، من قبيل العلم الذى لا ينفع، والذى تعوّذ منه رسولنا الكريم بقوله: «اللهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع».
وانطلاقاً مما سبق، أرى من واجبى إلقاء الضوء فى هذا المقال على اثنين من القوانين المهمة التى صدرت بمبادرة من «إيمانويل ماكرون»، أثناء توليه حقبة «وزارة الاقتصاد والصناعة والشئون الرقمية» فى حكومة «مانويل فالس» الثانية، وذلك فى الفترة من 26 أغسطس 2014م، حتى تاريخ تقديم استقالته فى 30 أغسطس 2016م. ففى ديسمبر 2014م، وبعد أربعة أشهر فقط من توليه مسئولية وزارة الاقتصاد، قدّم الوزير الشاب -آنذاك- إلى مجلس الوزراء مشروع «قانون بشأن النمو والأنشطة والمساواة فى الحظوظ الاقتصادية»، والمسمى شعبياً وإعلامياً «قانون ماكرون». ويهدف هذا القانون بشكل أساسى إلى جعل الاقتصاد الفرنسى أكثر انفتاحاً. وقد صدر هذا القانون فعلاً فى 6 أغسطس 2015م. وقدّر البعض أثر هذا القانون على نمو الاقتصاد الفرنسى بما يعادل 0.5 بالمائة. وكذلك سعى «ماكرون» إلى إصدار القانون رقم 138 - 2016 المؤرخ فى 11 فبراير 2016م، بشأن مكافحة الهدر الغذائى، والمعروف شعبياً وإعلامياً أيضاً باسم «قانون ماكرون». والهدف من وراء إصدار هذا القانون هو مكافحة الهدر الغذائى والتقليل من فضلات الطعام، من خلال تحفيز المنتجين والمصنّعين وموزعى المواد الغذائية والمستهلكين والجمعيات، على القيام بمسئولياتهم الاجتماعية تجاه المعوزين والفقراء، وذلك عبر الوسائل الآتية: 1- منع النفايات الغذائية. 2- هبة الأغذية والمنتجات الغذائية غير المبيعة، الصالحة للاستهلاك البشرى. 3- استخدام الأغذية والمنتجات الغذائية غير الصالحة للاستهلاك البشرى فى التغذية الحيوانية. 4- الاستخدام فى الزراعة كسماد أو استخدامها فى إنتاج الوقود الحيوى. ويُلزم القانون محلات بيع الأغذية التى تزيد مساحتها على حد معين بإبرام اتفاقيات مع الجمعيات الخيرية، بحيث تُحدّد هذه الاتفاقيات الآليات التى يتم من خلالها تسليم الأغذية غير المبيعة مجاناً إلى هذه الجمعيات. ويعاقب موزعو المواد الغذائية الذين لا يلتزمون بأحكام هذا القانون بغرامة مقدارها (3750 يورو)، بالإضافة إلى لصق ونشر الحكم القضائى الصادر بالإدانة. وقد تمت الموافقة على هذا القانون بالإجماع فى كل من الجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس الشيوخ. وقدّرت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية الأثر المترتب على هذا القانون خلال عام واحد فقط بتوفير أكثر من عشرة ملايين وجبة غذائية، تم توزيعها على الفقراء والمعوزين.
أليس من الأفضل إذن التركيز على هذه الموضوعات، للاستفادة منها فى تطوير مجتمعاتنا وتعزيز الآليات التى يمكن من خلالها خدمة شعوبنا، بدلاً من الانخراط فى مسائل وأمور شخصية؟!! كذلك، أليس من المناسب أن يحذو الوزير المصرى المعنى حذو «ماكرون» فى إعداد مشروع قانون مماثل للحد من الهدر الغذائى والتقليل من فضلات الطعام؟!! وأخيراً، يلاحظ أن ثمة بعض الجهات فى الدول الأجنبية تقوم برصد وقياس أثر القوانين الجديدة. ومن ثم نتساءل: أليس من المستحسن أن يقوم مجلس الوزراء أو مجلس النواب باستحداث وحدة تنظيمية لرصد وقياس أثر التشريعات؟!!
والله من وراء القصد..