أتحدى أياً من الذين يروجون باطلاً بأن ماحدث يوم 30 يونيو 2013 كان انقلاباً أن يذكر لى -ولو بالباطل- ميزة أو غنيمة حصل عليها الجيش أو أى من قياداته جَراء مُساندته للثورة الشعبية الأكبر فى تاريخ الإنسانية، والحق أن العكس هو الصحيح، فلو كانت قيادات القوات المسلحة تسعى إلى مصالح خاصة أو مغانم لكانت ساندت النظام الإخوانى الفاشى أو على الأقل وقفوا، من صراع الشعب مع الطغمة الحاكمة، موقف الحياد، ولكن روح الوطنية التى تتحلى بها القوات المسلحة وقياداتها آثرت أن تحمى الشعب ممن يُروعونه ويهدِدونه ويمارسون عليه البطش والديكتاتورية، فكان قرار الانحياز لإرادة الشعب بل تلبية أوامر الشعب، الذى هو صاحب السيادة وصاحب السلطة الأصيل والقوات المسلحة جزء من هذا الشعب العظيم مع ما فى هذا القرار من متاعب داخلية وخارجية.
والغريب أن الذين يتباكون على الشرعية اليوم هم أول من أسقطوها، بداية من إعلان سقوط الدولة المصرية الذى أصدروه فى 22 نوفمبر 2011، وسموه الإعلان الدستورى، مروراً بحصار المحكمة الدستورية العليا وبتحصين الجمعية التأسيسية الباطلة لوضع الدستور وبتحصين مجلس الشورى الباطل أيضاً، وبسرقة دستور كانوا يُسابقون الزمن للفرار به من ملاحقة القضاء والشعب لهم، كل هذه الخروقات وتتباكون اليوم على الشرعية والديمقراطية؟ ماهذا الجبروت؟ وبالإضافة لإسقاطهم للشرعية كان فشلهم الذريع فى إدارة شئون البلد، عفواً لم يكن فشلاً فقط بل كان تواطؤا وخيانة، فقد رأينا كيف كان يتم ضخ الوقود -البنزين والسولار- إلى غزة، وشاهدنا مخازن مهولة فى سيناء كشف عنها الجيش لتخزين البنزين والسولار، إضافة إلى المواسير التى تنقل هذه المنتجات، وكان كل ذلك السبب الرئيسى فى أزمة الوقود الطاحنة التى مرت بها مصر، وبالطبع هم الذين كانوا يضخون هذه الكميات الضخمة من الوقود إلى قطاع غزة، ويقف مخلوعهم محمد مرسى أمام المصريين ويقول «أنا صعبان عليّا الناس اللى واقفة فى الطابور بتاع البنزين والله نفسى أنزل أقف معاهم»، هل رأيت فُجرا ونفاقا أكثر من هذا؟ ألا يرقى هذا إلى الخيانة العظمى حين تحرم أبناء وطنك أصحاب البلد من ضرورياتهم وتفضل عليهم أهلك وعشيرتك من الإخوان المسلمين فى قطاع غزة؟
ثم ألم يكرر محمد مرسى وقت أن كان حاكماً «إن قطع الطريق جريمة إن قطع الطريق جريمة» ثم يأتى اليوم الذى نشاهد فيه من كانوا يعتبرون قطع الطريق جريمة يقطعون ليس الطريق بل كل الطرق ويتباهون بأنهم شلوا المرور فى القاهرة الكبرى، أليس هذا دليلا آخر على نفاقهم؟ وأن همهم الأكبر هو الجماعة وتمكينها من حكم مصر أياً كان الثمن، حتى ولو خربت مصر لا يهم عندهم، وتؤكد ذلك تلك الدعوات المجنونة التى يُطلقونها من ثكنة رابعة العدوية لبذل الدماء والشهادة والدعوة الصريحة للتخريب وإفشال الدولة، بطبيعة الحال نحن لا نهتم بكل هذه «الخُزعبلات» لأنهم الآن فى معركة ضد الشعب كله وليس ضد القوات المسلحة أو الشرطة فقط، ومن يخوض معركة ضد شعب مصر فهو خاسر لا محالة.
أُذكركم أيضاً بأنه حتى الأعمال الإرهابية -التى يتوعدون بها المصريين- لن تأتى بأى نتيجة، بدليل أن كل العمليات الإرهابية التى جرت فى تسعينات القرن الماضى لم تنجح حتى فى إزالة نظام حكم مبارك الهش المهترئ، فهل ستتمكن القوى الإرهابية الآن -على فرض قوتها- من إخضاع شعب مصر؟ إن من يفكر فى إمكانية تحقيق ذلك هو فاقد للعقل والوطنية والدين.
كل ما سبق لا ينفى أن هناك طائفة من الشعب تصدق ما يقوله هؤلاء المنافقون، ومؤكد أن من بين هذه الطائفة من هو صادق المشاعر تجاه وطنه ودينه، ومن المؤيدين من يعتقد -بصدق- أنه يدافع عن الإسلام.
ولتخليص إخوتنا وأهلينا من هذا الوهم يقتضى الأمر وبسرعة، فضح ممارسات هذه القيادات التى تحرض الجماهير وفضح أساليبهم، التى كانوا يتبعونها فى الحكم، وبالأدلة التى لا تقبل إثبات العكس، وكذلك فضح ماحصلوا عليه من أموال ومزايا وعمولات بالأرقام، كل ذلك من شأنه توعية المخدوعين فى هؤلاء العصابة الذين يُسَخِرون الدين والمشاعر الطيبة لدى الناس لتحقيق مصالحهم ومصلحة جماعتهم، التى انتهت من قلوب ووجدان الشعب المصرى الذى تبين له كم الكذب والنفاق والجشع والطمع الذى يسيطر على هذه الجماعات.
ومن ناحية أخرى أرى ضرورة توفير أتوبيسات، سواء من هيئة النقل العام أو من غيرها لمساعدة البسطاء من المحتشدين فى ميدانى رابعة والنهضة، للعودة إلى بلدانهم، حيث أتت بهم «الأتوبيسات الإخوانية» وتركتهم فى الاعتصام بلا ملاذ أو نقود أو حتى هويات، فلاسبيل أمامهم إلا الاستمرار فى الاعتصام قصراً.
أما القيادات المحرِضة، وهم معروفون بالاسم، فهم أول من يعلم أنه لا جدوى ولا أمل مما يفعلونه أو يحرضون عليه، وأنه من المستحيل عودة محمد مرسى والإخوان للحكم، ولكن الأمر بالنسبة لهم هو استمرار أمر حمايتهم بالحشود المحيطة بهم، وهم يعلمون أيضاً أن بانفضاض هذا الاعتصام فسوف يتم القبض عليهم وتقديمهم للمحاكم لقضاء ما تبقى لهم من عمر خلف قضبان السجون، جزاء ما اقترفوه من جرائم وآثام فى حق الشعب والوطن، وكذلك فى حق رفقائهم من الإخوان المسلمين، ولذلك فهم لا يريدون نهاية المشهد فنهاية الاعتصام هى نهايتهم.
وأخيراً أرجو ممن يتنطعون ويتشدقون بكلام هزل فى موضع الجد أن يصمتوا، وأعنى بهم أولئك الذين ينادون بالصلح وعدم الإقصاء، لأنهم لن يستجيبوا وإن استجابوا فقطعاً سيحملون خناجرهم مخفية تحت ثياب النفاق والغدر.