يقول الموظف المصرى الفصيح «إذا أردت أن تقتل موضوعاً فأحله إلى لجنة»، وقد ظننا -وبعض الظن إثم- أن هذه القاعدة ماتت مع وجود رئيس يصف نفسه بـ«الثورى»، لكن إذ بنا نجدها كالعنقاء تتلوى لتخرج من رحم الموت حية تسعى على أرض الله من جديد. ففى واحد من بواكير قراراته أمر الدكتور محمد مرسى بتشكيل لجنة فورية لبحث مصير المحبوسين والمعتقلين بأحكام عسكرية منذ اندلاع الثورة، على أن تشكل هذه اللجنة من القضاء العسكرى والنائب العام ووزارة الداخلية. يعنى من الجهات نفسها التى قبضت عليهم (الداخلية) وحولتهم إلى القضاء (النيابة) و«طستهم» الأحكام (القضاء العسكرى)!
حاجة لطيفة جدا!
طيب إذا كانت اللجنة تتكون من المسئولين الذين حكموا على هؤلاء الشباب -وعددهم 12 ألفاً- بـ «الرمى» فى السجن الحربى فكيف نتوقع منهم أن يكونوا عادلين فى التعامل مع هؤلاء المحبوسين والمعتقلين؟!
لقد قال الدكتور محمد مرسى -معلقاً على هذا الموضوع- فى لقائه مع الإعلاميين والصحفيين (يوم الخميس الماضى) ما نصه: «ما زلنا ندرس هذا الملف، وقيل لنا إن غالبية من حوكموا عسكرياً من الخارجين على القانون والبلطجية، وإذا أطلق سراحهم فهذا يعنى انتشار فوضى أمنية كبيرة فى الشارع، فى وقت البلد كلها بحاجة فيه إلى الاستقرار». وقد استوقفنى فى هذا التصريح كلمة «قيل لى».. قيل لى؟.. هو إحنا حنشتغل بنظام «قالوا له»؟!
قالوا لك يا «ريس».. لماذا لم تطلب من «اللى قالوا» صحيفة سوابق من يزعمون أنهم بلطجية؟ وكذلك ملفات من تمت محاكمتهم عسكرياً فى الأحداث التى تلت الثورة ليتم فحصها بمعرفة لجنة محايدة تابعة للرئاسة؟ وإيه حكاية الفوضى والاستقرار وهذه المفردات القديمة التى كان يرددها نظام المخلوع وأعاد تكرارها الناقمون على الثورة طيلة الأشهر الماضية من أجل شيطنة الثورة والثوار؟.. لقد اتهموا بها الإخوان من قبل حين دمغوهم بـ«الفوضى وضرب الاستقرار».. لحقت تنسى يا «ريس»؟
وبمناسبة الحديث عن الإخوان المسلمين أريد أن أسأل: كم عدد المعتقلين من بين أفراد الجماعة حالياً؟ وهل يوجد بين من حوكموا عسكرياً إخوانى واحد؟ وماذا لو كان ذلك كذلك.. هل كان سيتصرف «مرسى» بطريقة «أحله إلى لجنة» وأسلوب «قالوا له»؟!
لقد كنت أتصور أن يسارع الرئيس إلى التعامل مع هذا الملف وأن يسعى إلى إصدار عفو عام عن هذا الشباب، ولو كان بينهم بلطجية -كما قالوا له- كنت أتوقع أن يقرر محاكمتهم أمام قضاتهم الطبيعيين لأنهم ليسوا صف عساكر، بل مواطنون مدنيون. وإذا لم يفعل «رئيس كل المصريين» ذلك فسوف يكون الأمر غير مبشّر بالنسبة لى ولغيرى.. والدليل «قالوا له»!