تطرح عملية الهجوم المزدوج على الكتيبة «103 صاعقة» وكمين قرية البرث العسكرى بالسيارات المفخخة والرشاشات عدة قضايا، أهمها:
أولاً: إذا كان عدد القتلى من الدواعش 40 فرداً، فإنه يرجح أن يكون عدد المهاجمين يقارب المائة من المقاتلين المحترفين.
ثانياً: تكتيك العملية هو نفس التكتيك الذى استخدموه فى الهجوم على الكتيبة 101، وكرم القواديس والهجوم على كمين المطافى، ويتلخص فى الاندفاع بالسيارات الملغومة وتفجيرها فى الهدف لإحداث مفاجأة وارتباك شديد وخسائر كبيرة مع هجوم مجموعات أخرى على الموقع بالرشاشات من جهات أخرى.
ثالثاً: تكتيك العملية هو تكرار لنفس التكتيك فى عمليات «داعش» بسيناء وهو تكتيك «السمكة تخرج من الصحراء» مثل عمليات أخرى مشابهة، ولكن من أين أتت السمكة هذه المرة، وقد تم من قبل اقتحام جبل الحلال وتمشيط كل المناطق المجاورة، هناك احتمالان لدفع كل هؤلاء المقاتلين وهذه السيارات إلى هذه المنطقة فجأة:
الأول وهو الغالب: قدوم هذه المجموعات من رفح الفلسطينية بغزة، التى لا تبعد كثيراً عن هذه المنطقة، وذلك عن طريق مجموعة من الأنفاق الجديدة التى تسمح بدخول هذه السيارات الحديثة، وهذا العدد الكبير من المقاتلين، ويدعم هذا الاحتمال مقتل ثلاثة من المقاتلين الغزاويين المشهورين فى المجموعات التكفيرية برفح الفلسطينية، وقد وردت صورهم وأسماؤهم بما لا يقطع مجالاً للشك أنهم قدموا من الجانب الآخر.
الاحتمال الثانى وهو الأقل: أن يتم حشد وتدريب وتأهيل هذه المجموعات فى الوديان والمناطق الجبلية وتأهيلها لهذه العملية، وهذا بعيد، وذلك لأن سيارات «تويوتا» الدفع الرباعى ممنوع ترخيصها ووجودها منذ فترة فى سيناء، وأى سيارة توجد فى الصحراء فإن الطائرات الحربية تقصفها مباشرة، وتعتبرها داعشية ما لم يثبت العكس، ووجود هذا العدد الكبير دون رصدهم أو الإبلاغ عنهم، سواءً من القبائل أو غيرهم صعب.
رابعاً: عودة دواعش سيناء للهجمات الكبرى على الأهداف الصلبة (الجيش والشرطة) بعد توقف دام لستة أشهر، وبعد الخسائر الفادحة التى مُنيت بها «داعش» فى العام الماضى، يؤكد أن مدداً جديداً دولياً أو محلياً ضخ فى عروقها دماءً جديدة استطاعت بها تنفيذ مثل هذا الهجوم الاحترافى، وأنها وجدت أن جميع الكنائس والأديرة قد تم تأمينها وإفشال عدة هجمات عليها فى الفترة الأخيرة.
خامساً: كل السيارات المهاجمة دفع رفاعى ماركة تويوتا حديثة، وهى نفس نوع السيارات التى تستخدمها «داعش» فى سوريا والعراق، وهذا يطرح سؤالاً غريباً: ما هى الجهة أو الدولة التى تستورد هذا الكم الكبير من السيارات ثم تورده إلى التنظيم بالذات؟! وقد سئلت شركة تويوتا العالمية عن ذلك، فأجابت بأن شركة أمريكية دولية هى التى تشترى منها هذا النوع بكثافة كبيرة، وتبيعها إلى شركات أخرى فى دول متعددة، ولم يسفر البحث فى هذا الأمر عن نتيجة محددة، لأن معظم هذه الشركات وهمية وتابعة لأجهزة استخبارات تتغير أسماؤها ودولها من حين لآخر، وسيظل هذا السؤال قيد الطرح.
سادساً: تزامنت عدة عمليات إرهابية داخل القاهرة الكبرى فى نفس توقيتات عملية سيناء، ومنها عملية العياط، مما أدى لمقتل ضابطين متقاعدين وجنديين، وكانت بغرض الاستيلاء على حصيلة (كارتة الطريق)، لتمويل عمليات أخرى، وقتل ضابط الأمن الوطنى بالقليوبية، وتبادل إطلاق نار يرجح أنه مع مجموعة إرهابية على أحد الطرق السريعة بالقاهرة.
وقد تبنت «حسم» معظم هذه العمليات، و«حسم» هى الجناح العسكرى الذى قسم الإخوان إخوانَين، إخوان سلميين لا يرون المواجهة المسلحة مع الحكومة ولا يميلون للعنف ويرغبون فى إبقاء الصراع فى إطار السياسة والإعلام، وهم غالبية الإخوان، وقلة آخرين وهم حركة سواعد مصر «حسم» يرون أن العنف والاغتيال والسلاح هو طريقهم فى الصراع مع الحكومة، ولذلك تعامل الحكومة الفريقين تعاملاً مختلفاً فالقضاء والسجن للأول، والاشتباك المسلح مع الثانى.
سابعاً: والسؤال الآن: هل ثمة تنسيق بين داعش سيناء وحسم؟ ولماذا لا يقوم عقلاء الإخوان وحكماؤهم برفع الغطاء الشرعى والسياسى عن فريقَى العنف والإرهاب حتى مع خصومتهم للنظام، فذلك يفيد الإخوان ويطهر ساحتهم فى المقام الأول قبل أن يفيد النظام، لأن الإرهاب والعنف ليس له مستقبل شرعى أو سياسى أو اجتماعى أو إنسانى، وما مصير «القاعدة» فى أفغانستان وباكستان ومصير «داعش» فى العراق وسوريا منا ببعيد.
ثامناً: «داعش سيناء» هو تنظيم تكفيرى له نهج الخوارج وهو أسوأ منهم، لأنه يفتقر إلى بعض خصالهم الحسنة، ويضيف إلى سوءاتهم سوءات مضاعفة، ولو لم يكن للخوارج من سوءة سوى قتلهم للإمام على بن أبى طالب ووأدهم لمشروع الخلافة الراشدة لكفاهم، ولكنهم أضافوا لها سوءات تتكاثر كل يوم مثل قتل ضباط وجنود الجيش والشرطة، حتى أصبحوا سكيناً تذبح الإسلام، وخنجراً فى ظهر هذا الدين العظيم.