نعم، يضرب الإرهاب بقاع العالم فى ظاهرة كونية لا ترحم الأبرياء من فعل الساسة. نعم، لا جدال أن ما يحدث فى مصر منذ سنوات جزء لا يتجزأ من تفتيت بلادى والسيطرة عليها لا من ست سنوات وحسب، ولكن منذ أن سمحنا لفكر وهابى سلفى باختراقنا اجتماعياً ومنذ أن صار 99% من الحل بيد أمريكا. نعم تواجه بلادى إرهاباً شرساً لا يمكن منعه بنسبة مائة فى المائة، فأعظم بلاد العالم فى الأمن لم تستطع حماية مواطنيها من ذئاب شاردة طعنت ودهست وفجرت مرات ومرات. نعم، لكل هذا وأكثر ولكن دعونا نفكر بهدوء فى حالنا، الذى لم يبرح مكانه منذ سنوات نكافح فيها الإرهاب فعلاً ونتيجة، ولا نحاربه فكراً ووقاية، وما هكذا تورد الإبل.
فحينما يصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قراراً بإنشاء المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف منذ أبريل الماضى فى أعقاب حادثتى كنيسة طنطا والإسكندرية، ويصدر البيان الرئاسى مؤكداً أن المجلس مكون من كل مؤسسات الدولة المعنية لوضع استراتيجية متكاملة لمكافحة التطرف والإرهاب وسبل الحماية منه، ويؤكد أن هذا يعنى كلاً من تعليم وثقافة وإعلام وقضاء وقوانين وتطوير خطط أمنية وأسلوب أداء لدى الشرطة، لا بد أن تتساءل اليوم، وبعد مرور ما يزيد على ثلاثة أشهر، عن تلك الاستراتيجية، وما قدمه المجلس من أطروحات لهزم إرهاب يسكن العقول قبل أن يتحول لمسلك. لا بد أن تسأل ماذا فعل المجلس الموقر الذى أضيف لمجالسنا اسماً ولم نر له فعلاً. على سبيل المثال: هل قررت وزارتا التعليم والتعليم العالى تدريس مادة فى العام الدراسى المقبل فى كل المراحل التعليمية عن قبول الآخر، أو مفهوم الأمن القومى ودور المواطن فيه، أو شرح أبعاد الإرهاب وكيفية حماية الوطن منه؟ هل قررت وزارة الداخلية إطلاق حملة توعية إعلامية فى كل القنوات لحث المواطنين على تحمل مسئوليتهم فى الإبلاغ أو اكتشاف من يريدون بهم وببلدهم شراً؟ هل أصدر مجلس النواب تعديلات قانون الإجراءات الجنائية لسد ثغرات تنفيذ العقاب، حتى على المتلبسين وتقليص فترة التقاضى التى تنسينا الجريمة؟ لم يحدث يا سادة رغم إعلاننا المجلس.
وبالحديث عن الثقافة، أتذكر دعوة وصلتنى من شهرين من قبل وزير التنمية المحلية لحضور اجتماع المثقفين ودور النشر والمتخصصين لوضع رؤية لتنمية محافظات وقرى ونجوع مصر. فرحت يومها لإدراك الحكومة أن التنمية الاقتصادية والمجتمعية لا بد لها من نهضة ثقافية. ولكن يا فرحة لم تتم، فقد تحدث وزير الثقافة لخمس دقائق، ثم انصرف لارتباطه بموعد آخر وتحدثت النخبة المثقفة بمنطق «أنا عملت وقلت فى الماضى»، وانصرفنا دون أى إعلان واضح عن نتيجة جلستنا حتى هذه اللحظة. قبل أن ننصرف اقترحت فى دقيقة إعادة الأراجوز لمحافظات مصر ونجوعها من قبل وزارة الثقافة، فمن حارب الإنجليز وأقض احتلالهم لبلادى قادر على غزو معاقل الإرهاب بكلمة وحدوتة وابتسامة تطرح فكراً. ولكن...
وبالحديث عن إعلان حالة الطوارئ، فلا بد لى ولغيرى أن نتساءل لماذا لا نرى لها أثراً فى محاربة من ارتكبوا فى حق بلادى جريمة وفى حق أبنائى اغتيالاً؟ ولماذا لا يحال كل متهم بإرهاب وفعله لمحاكم عاجلة بقوانين خاصة للإرهاب؟ ولا تقل لى إن الغرب يراقبنا وينتظر أى تجاوز حقوقى منا، فذات الغرب لم يتحرك، وأردوغان يحبس 50 ألف تركى بدعوى انتمائهم لفكر الانقلاب من دون الإرهاب. وذلك الغرب لم يعلق حينما أصدرت بريطانيا منذ أيام حكمها بالسجن مدى الحياة على شاب إنجليزى لم يتجاوز عمره 19 سنة لمجرد أنه سعى لشراء مواد متفجرة على الإنترنت لاستخدامها فى تفجير حفلة جون ألتون، فقولوا لى إلى متى ننتظر مكافحة الإرهاب بالمعنى الحقيقى للكلمة لنجتث فكرة هى أشد خطورة من الفعل، لأنها من تحركه؟