إذا أردتَ أن تعرف مدى التطابق والتقارب بين تنظيم الإخوان و«داعش»، فلن تحتاج جهداً طويلاً، وقد ذكرتُ فى المقال السابق أن الرجل الثانى فى تنظيم داعش «طه صبحى فلاحة»، وشهرته «أبومحمد العدنانى» تربى على تفسير الظلال لسيد قطب، واليوم ألقى الضوء على الارتباط الفكرى بين القيادى المشهور وقائد الجناح العسكرى لتنظيم داعش الإرهابى «أبومصعب السورى»، وبين تنظيم الإخوان.
وُلد «أبومصعب السورى» عام 1958م، وحصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة حلب، وعلى ليسانس التاريخ من جامعة بيروت العربية، ويبدو أن السبب فى حصوله على ليسانس التاريخ هو محبة التأسى بشيخه وأستاذه «مروان حديد»، قائد تنظيم الطليعة المقاتلة بسوريا، وهو التنظيم المسلح التابع لجماعة الإخوان، الذى انطلق منه «أبومصعب السورى» للعمل الجهادى الإرهابى، وإن كان انتقد لاحقاً توقف الإخوان عن الجهاد.
و«مروان حديد» شيخ «أبومصعب» -لمن لا يعرفه- هو قيادى إخوانى وُلد بحماة عام 1934م، وقال عن نفسه: «اطلعتُ على رسائل حسن البنا فتحولتُ من العماية إلى الهدى، ومن الضلال إلى الرشاد، ومن الجندية للباطل إلى الجندية للحق»، ثم انخرط فى صفوف الإخوان مع «سعيد حوى»، والتقى بـ«سيد قطب» وإخوان مصر، ونشِطَ فى نشر دعوة الإخوان، ونشأ على يديه جيلٌ من الشباب المصرى، الذى أحب الموت والاستشهاد.
نرجع إلى أبى مصعب السورى الذى انضم إلى الجهاز العسكرى المسلح للإخوان، ثم قام «سعيد حوى» باختياره مسئولاً عن الإخوان فى منطقة شمال غرب سوريا، ومعروف أن سعيد حوى من أكبر مفكرى الإخوان، وأحد مؤسسى الجماعة، ومن أشهر مؤلفاته: «المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين»، وهو الكتاب الذى تستند إليه الجماعة فى الحفاظ على التنظيم والدفاع عن منهجها.
ولأبى مصعب السورى عدة مؤلفات، أهمها كتاب «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، وهو من الكتب الأساسية التى يعتمد عليها الجهاديون فى إدارة أعمال العنف والقتل باسم الإسلام.. لن أتحدث اليوم عن الغياب التام لمؤسسة الأزهر فى مواجهة هذه الكتب، وإنما يعنينا هنا أن كلام «أبومصعب السورى» فى هذا الكتاب مأخوذ من أدبيات الإخوان الموجودة فى كتابات حسن البنا، وسيد قطب، ومصطفى مشهور، وسعيد حوى، ورفاعى سرور، وأخيراً فى مواقع الإخوان، وعلى لسان «القرضاوى» و«تليمة» و«عبدالقوى» و«الصغير» و«غنيم»، وغيرهم.
إنها الفكرة الذى تعلمها الإرهابى «أبومصعب» فى مدرسة «مروان وحوى»، فهو يركز على واقع المسلمين المتسم بضياع الدين، ومحاربة الإسلام، واتباع الهوى، وتسلط الأعداء، ومحاربة الحكومات للشريعة الإسلامية والمتدينين، وحبس دعاة الإسلام والمجاهدين، ويتحدث فى الكتاب عن الهجمات الإعلامية والعسكرية ضد المجاهدين وأنصار تطبيق الشريعة.
ثم ينتقل إلى قضية الصراع الأزلى بين الحق والباطل، وقلة أصحاب الحق، وعدم الاغترار بالنصر المؤقت لأهل الباطل، وأن أصحاب الحق سوف يلقون أشد أنواع العذاب والتنكيل من أهل الباطل، إلا أن الباطل سيزول، ويتحدّث عن مؤامرة الحكومات الغربية والعربية للقضاء على الحق، ويدعو إلى إسقاط الأنظمة القائمة، ولا شك أنه لا يتحدّث عن الحق والباطل مجرداً، بل يتحدث عن الحق الذى يمثله هو وجماعته، وعن الباطل الذى يختلف مع فهمه هو وجماعته.
وكما يرفع الإخوان شعار «وأعدّوا»، يرفع «أبومصعب» هذا الشعار، ويسميه: «استراتيجية ردع الأعداء» من المرتدين والعملاء والفاسدين والمنافقين وأدعياء الثقافة، ويدعو إلى استهداف أماكن الوجود الاقتصادى والأمنى والعسكرى، ويُثنى على الجهاد الفردى وإرهاب الخلايا الصغيرة التى تقوم بعمليات فردية نجحت فى الجانب الدعوى والأمنى والعسكرى.
فهل بعد هذا يمكن لمنصف أن ينكر علاقة «الإخوان» الفكرية بأجيال تنظيمات العنف المسلح؟! (يُتبع)