ما أشبه الليلة بالبارحة، أو ما قبل البارحة، فى تاريخ هذا البلد، فالليلة تشهد صراعاً حاداً بين فريقين من المصريين: فريق يريد وضع الحكم فى قبضة وزير الدفاع الفريق أول «عبدالفتاح السيسى»، وفريق يريد أن يعيد الرئيس المعزول الذى أراد وجماعته الحكم باسم الله، وبأمر الله، وكان سد النهضة الإثيوبى المتوقع أن يحرم مصر من نصيب معلوم من حصتها من مياه النيل هو «الفتيل» الذى فجّر الصراع ما بين الطرفين، فالنيل دائماً هو سر المحنة وموضوعها وأطراف الصراع فيها دائماً ما يكون أحدهما عسكرى «صاحب كاب»، والآخر شيخ «صاحب عمة»!. وفى كل الأحوال لا بد أن يحسم الصراع لصالح طرف على حساب آخر، حتى ولو كان الثمن هو «الذبح»!.
لا تستغرب لاستخدام لفظ «ذبح» فى وصف آلية حسم الصراع بين أمراء الجيوش والأمراء الحاكمين باسم الله، فهكذا تقول أوراق التاريخ، فالوالى «محمد على باشا» حسم أمر المماليك الذين كانوا يصارعونه على السلطة بقطع رقابهم فى المذبحة الشهيرة المسماة بـ«مذبحة القلعة»، بعدها دان له حكم مصر تماماً، وبدأ فى تأسيس مشروعه فى بناء الدولة المصرية الحديثة طبقاً لرؤيته الخاصة، ويخطئ من يظن أن محمد على كان حاكماً مدنياً، فقد كان هو الآخر حاكماً بأمر الله!. يشهد على ذلك محاولته توظيف الدين كأداة لتحفيز المصريين على الانخراط فى سلك الجندية، بالإضافة إلى أنه كان يريد بناء خلافة ترث خلافة الدولة العثمانية، وقد كانت الخلفية العسكرية لمحمد على العامل الأهم فى تمكينه من القضاء على منافسيه من أمراء الحرب من المماليك، فقد كان فى الأصل ضابطاً ألبانياً، كما هو معلوم.
وتقول أوراق التاريخ أيضاً إن جمال عبدالناصر نجح فى تقليم أظافر منافسيه من جماعة الإخوان الذين كانوا شركاء لتنظيم الضباط الأحرار فى القيام بثورة 23 يوليو 1952، كان عبدالناصر يفهم الإخوان جيداً، ويعلم أنهم يريدون منازعته الحكم، بكل الطرق والسبل الممكنة، أو فى أقل تقدير كانوا يريدون الوصاية على الحكم، فى سياق ذلك استغل عبدالناصر حادث المنشية الشهير عام 1954، حين تعرض لمحاولة اغتيال على يد أحد أعضاء جماعة الإخوان، وقام بالتنكيل بهم واستئصال شأفة تنظيمهم طيلة النصف الثانى من الخمسينات، وعلى مدار فترة الستينات، ففى قضية المنشية تم الحكم بالإعدام على عدد من قيادات الجماعة وأعضاء النظام الخاص التابع لها، بالإضافة إلى اعتقال الآلاف من أعضائها، وتعامل بنفس الدرجة من الحسم مع تنظيم سيد قطب عام 1965، لتختفى جماعة الإخوان من المشهد السياسى فى مصر سنين عدداً، وقد كان السر فى نجاح عبدالناصر فى التعامل مع الإخوان خلفيته الإخوانية المعروفة، إذ كان عضواً بالجماعة لعدة سنوات، مكنته من فهم «السيكولوجية الإخوانية» فهماً عميقاً.