بلغة السينمائيين فقد اختطفت أحداث الـ48 ساعة الماضية وتلك الملايين التى احتشدت فى ميادين مصر، رفضاً للإرهاب والعنف، «الكاميرا» من لجنة العشرة المكلفة من رئيس الجمهورية بتعديل دستور 2012، الذى امتثل له المواطنون عدا نحو 22.8% ممن استُفتوا على أحكامه -ومن بينهم كاتب هذه السطور- كانوا يرون أن مصر بثوارها وشهدائها يستحقون دستوراً جديداً ربما قد يرقى إلى سداد فاتورة دماء الشهداء التى سالت، أملاً فى أن تضع مصر قدمها على الطريق الصحيح، وأن تصبح بالفعل دولة مدنية ديمقراطية بعيداً عن تلك الدولة «الثيوقراطية» التى تنشدها جماعة لا تمتلك من أدوات الدين -إن صح ذلك- سوى «جلباب» جماعة ومسبحة يفتى أصحابها دوماً بأن الوطن هو مجرد ولاية فى مشروع وهمى لدولة الخلافة التى لا تعترف بحدود وطن تشرّبت أرضه دماء آلاف من أبنائه، دفاعاً عنه وأبدلوا تراب أرضه بدماء شرايينهم.
وإذا كانت لجنة العشرة -وهى تختتم غداً (الاثنين) مهلة الأسبوع التى حدّدتها فى بداية عملها لتُلقى مقترحات كل المؤسسات لتعديل الدستور- لم تحدد حتى هذه اللحظة ما إذا كانت ستكتفى بتعديل بعض أحكام الدستور أم ستشرع فى إعداد بديل كامل له، فإن المصلحة الوطنية تقتضى إعداد دستور جديد بدلاً من ذلك «المعيوب» الذى مر من خلال زجاجة زيت أو طمعاً فى «الجنة» التى وُعد بها مواطنون بسطاء من ذوى الوعى المتواضع بعد أن اختطفت إرادتهم فتوى مُضلِلة خلطت الدين بالسياسة أحالت يوم الاستفتاء إلى يوم لـ«غزوة الصندوق»!!
على كل حال فإن «مصر 30 يونيو» أصبحت فى حاجة ماسة إلى دستور يرقى لأن يكون فوق مستوى الشبهات أو حتى مجاملة بعض الفرقاء أو التيارات التى ترى أنها دائماً راعية «شرع الله»، وكأن مصر لم يدخلها الإسلام منذ أكثر من ألف عام، أو أنها تعيش كما لو كانت «قريش» قبل النبوة!!
مصر فى حاجة إلى دستور جديد.. دستور يتخلص من ذلك العوار الذى يعانى منه دستور 2012، ومن قبله دستور 1971، وتعديلاته المتتالية.. دستور ينص على انتخاب الرئيس ونائبه بدلاً من تعيينه، حتى لا يأتى يوم وفى ظروف ما.. ولأسباب ما.. ولفترة معينة ويتولى فيه نائب الرئيس سدة الحكم ووقتها سيكون لدينا رئيس بالتعيين بمواصفات محدّدة من وجهة نظر الرئيس الذى عيّنه نائباً له، وهو ما حذر منه كاتب السطور مراراً!!
نريد دستوراً يُنهى بالفعل استنساخ مستبد أو طاغٍ جديد.. دستوراً ينسف ترسانة الصلاحيات تلك التى يمتلكها الرئيس.. دستوراً يتيح للمواطنين محاسبة الرئيس بعد انتهاء فترة ولايته أو حتى فى أثنائها إذا استوجبت فيه الظروف تلك المحاسبة.. دستوراً يعكس بالفعل المساواة بين الحقوق والواجبات ولا يفرق بين المواطنين على أساس الدين أو النوع أو الانتماء السياسى أو العمل.. دستوراً يلغى نسبة العمال والفلاحين التى حقّقت وعمّقت بنجاح ساحق التمييز بين المواطنين على أساس فئوى.. دستوراً تختفى منه كوتة المرأة التى تمثل نموذجاً للتفرقة بين المواطنين على أساس النوع.. دستوراً يراعى المصالح العليا للبلاد وليس الصفوة من العباد أعضاء مجلس الشورى الذى تعد عضويته ورئاسته إرضاءً لرموز النظام أى نظام بصرف النظر عن جدواه ودوره الحقيقى، خصوصاً أننا فى واقع الأمر لا نمتلك ترف إحراق ملايين الجنيهات من أجل إرضاء هؤلاء «الصفوة» من المحاسيب.. دستوراً لا يلقى بمصير أمة ومستقبل شعب تعداده 85 مليوناً فى يد نائب ينجح بالكاد فى فك طلاسم القراءة والكتابة ولا يجيد التفرقة بين «زر» الكمبيوتر و«زرار» القميص أو الجلباب..!! وعندما يتحقق ذلك سيحق لنا وقتها أن تهتز الأرض بوقع هتافاتنا: «ارفع راسك فوق.. انت مصرى»!!