لا يختلف اثنان على أن مصر تعيش محنة كبرى وشدة بالغة منذ عام 2010، بدأت معالمها بوصول الدولة البوليسية فى عهد مبارك إلى قمة التبجح فى قمع المواطنين، وتوزاى مع ذلك وصول مشروع «توريث الحكم» إلى محطته الأخيرة، أضف إلى ذلك عملية التزوير الفجة لانتخابات مجلس الشعب (نوفمبر 2010)، تراكمت هذه الأسباب فوق أسباب أخرى، وهيأت المناخ لاندلاع ثورة 25 يناير التى أنجزت هدفها الأبرز فى إسقاط نظام حكم «مبارك» خلال 18 يوماً. وتواصلت حلقات «الشدة المصرية» الحالية خلال الأعوام التى تلت هذا الحدث الكبير، وأخذت موجات المحنة تتقاذفنا من موضع إلى آخر، ويبدو أننا سنواصل رحلة المعاناة حتى عام 2017، لأن قدرنا أن تطول أيام المحنة والشدة لدينا لمدة السنوات السبع، كما ذكرت فى مقال أول أمس.
منذ 12 فبراير، وقعت الثورة بين براثن أكبر مؤسستين منظمتين فى مصر، أولهما المؤسسة العسكرية، وكان يمثلها المجلس العسكرى، والمؤسسة الإخوانية، ويمثلها مكتب الإرشاد. والكلام عن إبرام صفقة ما بين هاتين المؤسستين لالتهام الثورة ووراثة ملك مصر لم يعد يحتاج إلى دليل، إذ أكدتها الأحداث وبرهنت عليها شهادات العديد من الشخصيات التى كانت قريبة من مطبخ التفاوض ما بين هذين الطرفين. ورغم شعور الثوار بالمأساة بسبب الوصول بأحلامهم فى التغيير والإصلاح إلى هذا المنعطف، إلا أن ظروف المشهد كانت تفرض ذلك. وتاريخنا يؤكد أنه نادراً ما صعد قادة «مدنيون» إلى الحكم واستطاعوا التخلص من منغصات أى من أصحاب العمة أو أصحاب الكابات. فعندما قامت الثورة لم يكن الثوار يملكون مؤسسة قادرة على جمع شتاتهم، أو قيادات تستطيع إدارة الصراع مع هاتين المؤسستين العتيدتين (الجيش والجماعة)، بما يتوافر لهما من أدوات قوة، وإمكانيات تمويل، وقدرة على التنظيم. احتضن الإخوان العسكر، وبادلهم العسكر الأحضان، لكن كل طرف كان يخفى الخنجر وراء ظهره، تماماً مثلما حدث عند قيام ثورة يوليو 1952، حين بلغ التقارب بين الضباط الأحرار وجماعة الإخوان أقصى مدى، وذهب عبدالناصر وعدد من الضباط وأعضاء مكتب الإرشاد لزيارة قبر المرحوم «حسن البنا»، وبكى «ناصر» فوق قبره بكاء مراً، وعندما تم حل الأحزاب السياسية تم استثناء جماعة الإخوان من ذلك.
وعندما وصل محمد مرسى مرشح الإخوان إلى حكم مصر، أحسن أعضاء المجلس العسكرى استقباله «وخدوه فى أهلاً وسهلاً» وأدى المشير «طنطاوى» والفريق «عنان» التحية العسكرية له، لكن سرعان ما داهمهما الأول وقرر إقالتهما، ولم يكن أمامه إلا أن يختار الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزيراً للدفاع. هذا الجنرال الذى كان يمثل واسطة الخير بين المؤسسة العسكرية والإخوان، وكان لسان حاله ينطق بأنه لا يمانع فى أن يتسلم الإخوان الحكم، إلى حد أن الكثيرين ظنوا به الانتماء للجماعة، ودمغوه بالأخونة!