تواصلت حلقات الصفقة بين المؤسسة العسكرية وجماعة الإخوان، بعدما تولى «مرسى» رئاسة الجمهورية، وكان أكبر مؤشر على ذلك المواد التى اشتمل عليها دستور 2012 وحفظت للمؤسسة العسكرية استقلاليتها المالية والتشريعية، وفى الوقت نفسه منح جماعة الإخوان فرصة للسيطرة على الحكم لفترة زمنية طويلة من خلال المواد التى تمنح رئيس الحكومة صلاحيات كبيرة، وأعطت الحزب الفائز بالأغلبية فى انتخابات مجلس النواب حق تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة. وهو أمر كان يحرص عليه الإخوان، تحسباً للحظة يفقدون فيها سلطة رئاسة الجمهورية.
بدت العلاقة بين الإخوان والفريق أول «عبد الفتاح السيسى» هادئة وناعمة خلال الأشهر القليلة الأولى لحكم «مرسى»، لكن مؤشرات عديدة أكدت أن كل طرف لم يزل يحتفظ بالخنجر وراء ظهره، وينتظر الفرصة المناسبة للوثوب على الآخر. ظهر ذلك واضحاً فى تصريحات محمد بديع عن الجيش المصرى، وقال فيها إن جيشنا يضم خير أجناد الأرض، لكن المشكلة فى القيادات الفاسدة التى تتولى أمره! يضاف إلى ذلك تلك القصيدة الركيكة التى أنشدها محيى الدين الزايط -أحد قيادات الجماعة- وقال فيها «ما قيمة جيش إن كان يقوده الفار»، ولعلك تذكر أيضاً الهجوم الفج الذى كان يشنه الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل على «السيسى» بصورة صريحة لا تحتمل التأويل. وتدلل كل هذه المؤشرات على أن الجماعة كانت تعانى مشكلة واضحة مع الفريق «السيسى» كقائد للجيش، وكانت تحاول انتهاز كل الفرص للإطاحة به، من أجل تمليك الجيش المصرى للإخوان، عبر قيادات تدين للجماعة بالسمع والطاعة.
ومن ناحيتها لم تقف القيادة العسكرية مكتوفة اليدين أمام هذه التصريحات، وكان أبلغ ما تردده فى مواجهة هذا الهجوم أن القوات المسلحة لن تسمح بالإطاحة بقياداتها فى سيناريو شبيه بسيناريو الإطاحة بالمشير «طنطاوى» والفريق «عنان»، بالإضافة إلى التصريحات التى خرجت على ألسنة القيادات وأكدت أن الجيش لا ينحاز إلا للشعب، ولا يعمل لحساب فصيل معين، وأن الشعب لو طلب من الجيش النزول فسوف يكون جنوده فى الشارع فى ثانية، على حد تعبير الفريق «صبحى صدقى» رئيس أركان حرب الجيش المصرى.
المشهد إذن كان واضحاً، وكان كل طرف يمكث مترقباً ومتربصاً فى انتظار الفرصة للقضاء على الطرف الآخر، ولعلك تذكر أن «مرسى» كان يعد العدة لإقالة السيسى، وظل يكرر محاولاته لإنجاز هذا الهدف حتى اللحظات الأخيرة التى سبقت مظاهرات 30 يونيو، وكان «الفريق» يدرك ذلك جيداً، لكنه كان أكثر تأنياً واتزاناً فى إدارة الصراع، وراقب -عن كثب- تفاعلات الشارع المصرى مع حركة تمرد، وتابع حالة التململ التى سيطرت على القوى السياسية المعارضة للإخوان. وعندما اكتملت معالم المشهد فى 30 يونيو ونزل الملايين إلى الشوارع، عاجل الفريق السيسى الجماعة ورئيسها، وخرج فى 3 يوليو معلناً الاستجابة لمطالب الشعب بعزل «مرسى» وإنهاء حكم الإخوان.