لا يمكن أن نستيقظ كل صباح على ما يشبه التناقض، أو بالأحرى التناقض الصريح فى المنظومة والرؤية.. إلى أين نمضى؟ كانت ٣٠ يونيو موقفاً صريحاً وواضحاً من فكرة الحكم الدينى.. حملت رأى الجموع وتطلعهم إلى دولة مدنية.. كانت دعوة إلى أن يعود الدين إلى منابره المستقر عليها، وحيزه الطبيعى، وبخطاب يحتاج إلى تجديد، وكان هذا التجديد مطلباً واضحاً وصريحاً، توجه به رئيس الجمهورية بغير لبس ولا التباس. ليس خافياً أن الفضاء المصرى العام غارق لأذنيه فى نوع من التوظيف للدين، والاستخدام الموجّه، الذى -مع انعدام الثقافة، ووهن التعليم- أدخل أغلب فئات الشعب فى غياهب ومتاهات، ما كان ينقصها غير أن تظهر «أكشاك» الفتوى فى محطات المترو لنُصبح دولة دينية وبامتياز! دعك من المعرفة والثقافة، التى صارت من «رجس الشيطان»، ولا يصل طموحك إلى سقف الكلام عن الرؤية أو الاستراتيجية الثقافية لبناء «عقل» ناقد، يزن الأمور، ويضعها فى نصابها، فقط انزل بسقف توقعاتك واسأل: ما الأولويات اللازمة لبناء «الوعى القادر» على استلهام «جوهر الدين» الصحيح الذى عشنا وعاش عليه آباؤنا وأجدادنا، قبل أن يُقنعوا الناس «بالدين الجديد»، وقبل أن تتحول الفتوى الدينية إلى أن تصبح «ضرورة تفوق فى أهميتها الأكل والشرب»، حسب تعبير السيد سعيد عامر، أمين مساعد مجمع البحوث الإسلامية؟ «الحاجة إلى الفتوى تفوق الحاجة إلى الطعام والشراب»! والذى أضاف أيضاً أن أكشاك الفتوى سوف تساعد مع سلسلة الدروس الدينية، التى يتم بثها مركزياً فى محطات المترو منذ رمضان، ومفهوم بالطبع أنها سوف تساعد كما أعلن السيد أمين مجمع البحوث الإسلامية، على مواجهة تيارات العنف، وتصحيح الأفكار المغلوطة، بل تزيد من الإحساس بالمواطنة والانتماء (لم أفطن إلى كنه العلاقة فى الحقيقة)، فمن وجهة نظر السيد أمين المجمع «أن المواطن لم يعد يجد الوقت ليذهب إلى دار الإفتاء»، فجاءت هى إليه!، مش بس كده، لا بل سيكون فى يد كل راكب، قصدى «مستفتى»، مع الفتوى، شهادة موقّعة من الأزهر. لا أريد الخوض فى أسئلة من قبيل كيف عاش فى ما مضى، أهالينا بسماحتهم الدينية، من دون فتاوى على مدى الساعات الأربع والعشرين يومياً! ولا كيف أصبح المصرى لا يستطيع صبراً، لا يخطو خطوة دون فتوى، ولا يمكنه الانتظار حتى يصل إلى بيته، على طلب الفتوى، حتى بات من الضرورى والحتمى، أن تلحقه بجرعة «فتوى»، وهو فى السكة! ما الرؤية؟ وهل تم تدارسها من جميع الجوانب؟ وهى رؤية من وجهة نظرى المتواضعة، تعالج الداء بالداء، تريد دحض التطرف، بالتيك أواى.. تحيلنا إلى دولة دينية «بأكشاك» تبدأ استشارية، والله أعلم عن آفاق تطورها مستقبلاً، والأرجح أنها سوف تُؤسس هيئات ملزمة بتطبيق الفتاوى، تأخذ هى الأخرى مكانها، لتأمر من تراهم من ممارسى المنكر، بالمعروف الذى تراه، وهذا حادث بالفعل وفى مترو الأنفاق أيضاً، المقصات التى تمسك بها المنتقبات لتطارد وتقص شعور غير المحجبات، والعدو من هو صاحب تلك النظرية التى رأت فى أكشاك الفتوى، وسيلة لمقاومة الإرهاب أو كما قال السيد المتحدث باسم مترو الأنفاق هى «الوعظ المعاصر»، مما أجج حماس السيد عمرو حمروش، وكيل اللجنة الدينية بمجلس الشعب، فطالب بالتوسّع والتعميم فى مواقف الأجرة والأوتوبيس وحتى المطارات! لا أخفى أن الموضوع يوحى بنوع من «الفانتازيا» عن شعب تغرق قطاعات كبيرة منه فى جب الآخرة، تاركة أسئلة الحياة المعيشة التى هى من لب الدين كما تعلمناه، قبل «ظهور الدين الجديد»، كما أننى نحيت كثيراً من الأسئلة، وقاومت المضى فى تخيل راكب مترو الأنفاق اللاهث، أو المفعوص وسط الكتل، وهو «محصور» فى سؤال لا يستطيع الانتظار.
وآثرت البعد عن جانب متعلق بأحقية الأقباط فى أكشاك للاعتراف تجاور أكشاك الفتوى، ومدى إمكانية مد فروع لأكشاك الفتوى فى محطات البنزين بالذات لأصحاب الملاكى، والتوك توك. معلوماتى المتواضعة أن أكشاك الفتوى «انفراد» مصرى، لم تعرفه حتى الدول ذات الحكم الدينى، لكن وبجد، هذا لا يحول دون الحق فى السؤال: ما الذى ينقصنا لنكون دولة دينية؟