قد يلجأ الفريق «السيسى» إلى توظيف بعض الجوانب من سيناريو «عبدالناصر» فى التعامل مع الإخوان. فتقديم بعض رموز الجماعة، بما فيهم الرئيس المعزول، لمحاكمات عاجلة بدأ، وقد يتواصل خلال الأيام القادمة. ومن الوارد أيضاً أن يصدر حكم قضائى -يتم تنفيذه- بحل جماعة الإخوان، وقد يُعتقل من كوادر الجماعة من تصل يد الأمن إليه، لكن «الفريق» مضطر فى كل الأحوال إلى إراقة دماء، لأن الجماعة لن ترضى أن تسلم رقبتها بهذه السهولة، لذلك فليس من المضمون بحال من الأحوال أن ينجح سيناريو تم تطبيقه عام 1954 فى معالجة أزمة تنتمى إلى عام 2013.
الزمان اختلف، فبالأمس كان «عبدالناصر» يتخذ من الإجراءات ما يضمن له استقرار الحكم وهدوء الأوضاع داخل البلاد، دون أن يعلم الشعب بشىء، كان المصريون وقتها يكتفون بالتهامس بما يحدث لكوادر الجماعة فى السجون، ويرفع الجميع شعار «الحيطان لها ودان». نحن نعيش الآن عصراً مختلفاً يرفع شعار: «الحيطان لها لسان». لسان لا يتوقف عن الكلام حين يرى أمراً من الأمور. لدينا قنوات تليفزيونية تبث من كل اتجاه، وتضع المعلومات أمام المشاهد، وتتجاوز ذلك إلى التحريض المباشر وغير المباشر، لدينا شبكة «إنترنت» تنقل الصالح والطالح والصحيح والمزيف من المعلومات، لدينا مؤسسات حقوقية تتابع وترصد وتضع الحقائق أمام الجمهور. فى ظل هذه المعطيات، التى يمكن أن نضيف إليها ردود الفعل الدولية، يصعب أن يتم تنفيذ السيناريو الذى اعتمد عليه عبدالناصر عام 1954 خلال الفترة الحالية.
ومن ناحيتها لا تتورع جماعة الإخوان عن المتاجرة بدماء شبابها الذى يسقط قتيلاً أو جريحاً، فمن يترخص فى المتاجرة بالدين يسترخص الدم، ويجد فيه وسيلة جيدة لتحقيق الأهداف السياسية، واسترداد تاج الحكم مرة أخرى، خصوصاً أن الوجوه التى تدفع الثمن هى ذاتها وجوه المصريين الغلابة الذين كانوا يحملون صورة الفريق «السيسى» فى التحرير يوم «مليونية التفويض». هؤلاء دائماً هم الضحايا!
إنها المعادلة الأزلية الأبدية التى يتنازع فيها العسكر من ناحية وتجار الدين من ناحية أخرى الاستحواذ على السلطة، ويكون الفقراء دائماً هم وقود الصراع بين هذين الطرفين. هناك فريق يرى أن تجار الدين هم القادرون على حل المشكلات وتحقيق الأحلام فى مستقبل أفضل، وأنهم سوف يأخذون بأيديهم للعروج إلى الفردوس المفقود، وهناك من يرى أن أمراء الجيوش هم الأقدر على ذلك، وأن عليه أن يلقى بحمله وحلمه فوق أكتافهم المزينة بالنسور والدبابير، حتى يتمكن من الوصول إلى لؤلؤة المستحيل. وعجباً لهذا الشعب الذى مكث آلاف السنين يهتف مرة باسم النصابين «باسم الله»، ويصرخ أخرى قائلاً: «مدد يا سيدى العسكرى»، دون أن يبحث عن تنظيم ذاته فى قوة قادرة على حسم الأمور لصالحه، ليبنى ولو لمرة واحدة فى تاريخه الطويل «إمارة الشعب»!
مقالات متعلقة:العسكر والضلالية (7)العسكر والضلالية (6)العسكر والضلالية (5)العسكر والضلالية (4)العسكر والضلالية (3)العسكر والضلالية (2)العسكر والضلالية (1)