هناك مجموعة من الأساطير المؤسسة للعلاقة بين الرجل والمرأة نتوارثها جيلاً بعد جيل، وهى بحكم التوارث والشيوع اكتسبت قوة أن تصبح حقائق على الأرض وأسلوب تعامل ومخاوف وعقداً وأمراضاً وأزمات بين الرجل والمرأة.
لو بحثنا فى جميع العهود التى مرت على مصر فى التاريخ الحديث، الذى يبدأ من محمد على حتى الآن، والذى يمتد إلى قرنين من الزمن ويزيد، وسألنا أنفسنا هل التطور الطبيعى للمجتمع بحكم حركة التاريخ وتغيير أشكال وأنماط الحكم فى مصر من ولاية عثمانية إلى إمبراطورية مصرية تحاول أن تتشكل حتى إن كانت صورياً تحت علم الخلافة إلى خديوية يحكمها باشوات فى إطار مجتمع طبقى كلاسيكى واضح إلى بلد تحت الاحتلال الإنجليزى المباشر.. خديوية ثم سلطنة ثم مملكة إلى جمهورية ثائرة تتبنى العدالة الاجتماعية والمساواة وتذويب الفوارق بين الطبقات إلى جمهورية تحاول الانفتاح على العالم وتدمج فى داخلها قيم الرأسمالية والسوق المفتوحة، إلى جزء من لعبة كبيرة فى أقاليم ساخنة تحاول أن تتقى الأخطار التى تندلع حولها ثم إلى ثورة غضب تعبر عن يأس مجتمعى وضباب ثم حكم متخلف فئوى على طريقة العصابات الإجرامية يتشح بستار الدين إلى دولة تحاول أن تنفض كل ذلك من على كاهلها وتقوم فى ظروف اقتصادية صعبة وأمن قومى مهدد وفى توقيت تحدث فيه تغييرات فى العالم أسرع حتى من الرصد وصراعات قوى المختفى منها أقوى كثيراً مما يظهر على السطح.. مع كل هذه العصور وكل هذه التباينات بينها وكل هذه التغيرات وحركة التاريخ، لو نظرنا إلى العلاقة بين الرجل والمرأة فى المجتمع أو حتى وضع الرجل والمرأة، كل على حدة، سنجد أنها علاقة غير سوية وغير سليمة وغير صحيحة.
ولا نبالغ أنه ربما يكون المرض فى هذه العلاقة، أو عدم تحديد ملامح وضع الرجل ووضع المرأة، أحد الأسباب التى أخرت نضج ونمو وتقدم المجتمع المصرى حتى اللحظة.
أقصى ما حدث على مدار المائتى عام أنه من عهد إلى آخر تنطلق مجموعة من الشعارات قد تتبعها مجموعة من السياسات والإجراءات لكنها أبداً لم تكتمل ولم تتحول إلى واقع مستمر ولم تترسخ فى ثقافة المجتمع ولا فى وجدانه.
ربما هناك مجموعة من المكاسب مع مجموعة من القوانين لكنها أبداً لم تكن جذراً فى أرض بل كانت أوراقاً فى خريف وهذا شىء مدهش ويحتاج بحثاً عميقاً لتركيبة وسيكولوجية المجتمع المصرى والمناخات المحيطة والمؤثرات الأكثر عمقاً التى تتحكم فيه وهى فى الواقع أقوى من السياسة ومن أنظمة الحكم ومن تحسن أو انهيار الأوضاع الاقتصادية.
وتبقى محددات وضع الرجل والمرأة محددات مختلفة حتى اللحظة ونحن على أبواب العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين فإن الأمر لا يختلف فى جوهره عما كان فى العقد الأول من القرن التاسع عشر.. ما زال الرجل المصرى يعتبر المرأة مشكلة ولغزاً وما زالت سيكولوجية المرأة المصرية تعتبر الرجل هدفاً فى حد ذاته وعلى سبيل المثال هناك نقطة فى شكل العلاقة لم تتغير بالتقدم أو بالتكنولوجيا أو تطور حركة التاريخ ولا حتى بالاختلاف بين الطبقات الاجتماعية فهذه العلاقة ربما يستوى فيها من كان على علم ومن كان على جهل، الأغنياء والفقراء، تختلف الطبقات والمرض واحد.. المرأة نفسها أصبحت مشكلة للمجتمع فهو لا يعرف كيف يتعامل معها وحتى عندما يتصور أن مشكلتها أنها مهضومة الحقوق ويقرر عن طريق الحكومات أو النخبة أن يعيد إليها هذه الحقوق ويتصور أن ميزان وضعها فى المجتمع قابل للاعتدال وبفرض أن المجتمع صادق النية والإرادة فهو يقدم الإجراءات ولكنه يعجز عن زرعها فى أرض هذا المجتمع العجيب والكارثة أنه قد يبدو الأمر أن المشكلة فى وضع المرأة الملتبس فقط ولكن أيضاً وضع الرجل يفوقها التباساً ونظرة الرجل عن نفسه فى أغلب الأحوال نظرة مريضة وهناك حالة انفصام اجتماعية للرجل المصرى بشكل غير منطقى وغير مسبوق وربما يكون خارج نسق الطبيعة فالرجل تختلف نظرته وتقييمه لنفس المرأة المصرية التى تعيش فى نفس المناخ ونفس المؤثرات لكن نظرته وحركته إليها تختلف باختلاف موقعها منه وحالة الفصام تنتج حالات تكرارية على مر العصور، إذ نجد أحياناً الرجل المصرى الذى يكون من أكبر دعاة الحرية والديمقراطية أو يطالب بالمساواة عندما يطبق هذه المبادئ على نساء محيطه يصبح عكس ذلك تماماً لتسطع الازدواجية والتواطؤ.
لا مناص من الاعتراف بأن أصل هذه العقد التاريخية والمستمرة والتى نعجز عن مواجهتها والاعتراف بها هو أننا لا نتعامل مع المرأة والرجل على أن كلاً منهما إنسان كامل ولكننا نمنح الرجل ما هو أكثر وهذا التمييز يشوهه ويصبح عبئاً عليه، والمرأة ننقص منها أشياء تجعلها طوال الوقت تشعر بالقلق والدونية، فتكون مثار مشكلات كثيرة ليست لها فقط ولكن للمجتمع، والأمر وصل إلى أن المرأة أصبحت عدو المرأة نتيجة ترسخ هذه الثقافة ولم تفلح أى حلول مهما كانت الادعاءات.
علينا أن نعترف بأن هذه العلاقة المرتبكة هى نقطة فشل كبرى فى هذا المجتمع وإذا استمر الفشل ولم نصل إلى التعامل باعتبار كل من الرجل والمرأة إنساناً كاملاً سيبقى نمو هذا المجتمع ناقصاً.