(١) فى أحد أيام شهر أبريل ٢٠٠٩، أطلق المرشد عاكف تصريحاً لإحدى الصحف بأنه سوف يكتفى بالفترة الأولى له كمرشد -أى ٦ سنوات- ولن يترشح لفترة ثانية والتى تبدأ فى ١٤ يناير ٢٠١٠.. بدا الأمر كما لو كان الرجل قد ألقى بحجر ثقيل فى مياه بحيرة راكدة.. وتردد النبأ على مستوى معظم وسائل الإعلام من صحافة وفضائيات ووكالات أنباء.. ولم أعلم وكذلك أعضاء مكتب الإرشاد به إلا من خلال الإعلام! وعندما تحدثت معه فى هذا الأمر، وأنه وضعنا فى موقف محرج، حيث اتصل بنا صحفيون ليسألوا عن مدى صحة الخبر، قال محاولاً تبسيط ما فعل: لقد صرحت بهذا الأمر ما يربو على ٤ مرات، بل منذ توليت منصب المرشد، وليس هناك جديد، ولا أدرى لماذا تناولت وسائل الإعلام هذا التصريح بهذا الصخب والضجيج؟! ثم أردف قائلاً: مؤكد أن الأجهزة الأمنية وراءه(!!) قلت: أياً كان الأمر.. كان من المفترض أن تعلمنا به أولاً لننظر فيه وفيما يجب عمله، فهذا أمر يخص مجلس شورى الجماعة قبل الرأى العام؟!.. قال: هذا أمر يخصنى وحدى، وسوف أكتفى بهذا القدر، ولن أترشح مرة ثانية.. قلت: هل هذا هو احترامك والتزامك بالمؤسسية؟ فسكت ولم يعقب.
(٢) بدا الأمر للرأى العام وكأن المرشد يعطى درساً فى الديمقراطية للنظام الحاكم، والأحزاب، والقوى السياسية، وأنه يريد أن يفسح الطريق لدماء جديدة، فهى أقدر وأكفأ.. وقد نال المرشد الاستحسان على هذا الموقف من الجميع، حتى الإخوان، بل منهم من أرسل إليه يمتدحه، ويعتبره خطوة غير مسبوقة فى تاريخ الجماعة، فهذه كانت أول مرة يحدث فيها تخلى مرشد عن حقه فى الترشح لفترة ثانية، وبالتالى سوف يكون هناك مرشد سابق.. لدرجة أن أحدهم أرسل إليه يقول: لقد خالفت فى سلوكك هذا الراشدين والمرشدين (!!)
(٣) حاولنا إثناء الرجل عن عزمه بكل الوسائل والسبل، لكنه كان يزداد إصراراً، وقد أضفى عليه التقريظ من الآخرين رضا بما أقدم عليه.. لم يكن من المعقول -ونحن حوله- أن نصفق له، أو أن نكسر وراءه آنية من الفخار كما يقول المثل، أو أن نعطيه إحساساً بأننا سعداء لأنه سوف يتركنا ويمضى، فليست هذه أخلاقنا ولا آدابنا.. صحيح أن أداءه -كمرشد- كان متواضعاً للغاية، لكن لم يكن هناك من يسعى لكى يقوم مقامه إلى أن يتم انتخاب المرشد الجديد.. الذى أستطيع قوله فى هذا الموضوع -وقد أكون مخطئاً- هو أن رفض الرجل لولاية ثانية لم يكن بالشكل ولا بالكيفية التى تصورها الرأى العام أو بعض الإخوان، لكن كانت هناك أسباب دفعت بالرجل إلى اتخاذ هذا الموقف، حسب علمى وقربى منه ومعرفتى بشخصيته وطريقة تفكيره.. هذه الأسباب يمكن إيجازها فى الآتى:
أولاً: حالة الانسداد السياسى التى فرضتها السلطة على المجتمع المصرى كله، وأن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، ثانياً: عدم استطاعة المرشد تقديم شىء جديد للمجتمع، فبدلاً من أن يمثل الإخوان الأمل والمنقذ للشعب المصرى من معاناته وأزماته ومشكلاته، فضلاً عن بطش السلطة وفساد نظام الحكم، إذا بالرجل يلقى باللائمة فى خطاباته وتصريحاته على الشعب والقوى السياسية بأنها تركت الإخوان يلقون مصيرهم من محاكم عسكرية ومطاردة وملاحقة وحبس احتياطى، علاوة على الحرب على الأرزاق، وانطبق عليهم ساعتها المثل القائل: «جئتك يا عبدالمعين تعيننى، لقيتك يا عبدالمعين تنعان».. وللحقيقة والتاريخ، أقول: لقد نبهت المرشد إلى ذلك، وأنه لا يليق أن تكون لغة الخطاب بهذا الوصف، وكأننا (على أضعف الأحوال) نستغيث بالشعب المطحون -الذى نذرنا أنفسنا للدفاع عنه وإقالته من عثرته- كى ينهض للدفاع عنا فى مواجهة السلطة الباطشة (!)، لكنها كانت صيحة فى واد ونفخة فى رماد، ثالثاً: إدراك المرشد أننا مقبلون على فترة صعبة لن يستطيع أن يحقق فيها أى إنجاز، فقد تم الانقلاب على الدستور فى ٣٤ مادة منه عام ٢٠٠٧، وحدث المزيد من التضييق على الإخوان وإقصائهم من الحياة السياسية، علاوة على التزوير الكامل لانتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى فى يونيو ٢٠٠٧، فضلاً عن وقوع تزوير انتخابات المحليات فى أبريل ٢٠٠٨، وبالتالى لم يكن متوقعاً أن تتحقق أى مكاسب فى انتخابات مجلس الشورى فى يونيو ٢٠١٠ (وهو ما حدث فعلاً) ولا انتخابات مجلس الشعب فى نوفمبر ٢٠١٠ (التى كانت كفعل فاضح فى الطريق العام)؛ وهذا كله لا يشجع المرشد على المضى قدماً فى الترشح لولاية ثانية.
(٤) يضاف إلى ما سبق، وصول المرشد إلى حالة يصعب وصفها -من حيث الطاقة والجهد والقدرة- فى التعامل مع أعضاء مكتب الإرشاد، لدرجة أنه طرح عليهم إلغاء هيئة المكتب(!) التى تجتمع ٣ إلى ٤ مرات فى الشهر والاكتفاء بلقاء المكتب مرتين فى الشهر(!) مع العلم أن لقاءه بهيئة المكتب لم يكن يتعدى ١٥ - ٣٠ دقيقة(!) وبالمكتب نفسه فى حدود أقل من ساعة (!) ناهينا عن المشادات التى كانت تصاحب الجلسات، والتى كان يثيرها مع الأعضاء ولم تكن تصل بنا إلى حل فى جميع المواقف، بل كانت تضعنا فى توتر دائم، الأمر الذى كان يستحيل معه الاستمرار على هذا الوضع.. ولنا أن نتساءل: هل جماعة كانت بهذا الحجم والانتشار والآمال المعقودة عليها، يمكن أن تدار بهذا الشكل والكيفية؟!! إن مجلس إدارة شعبة فى أى قرية يقضى ساعات كل أسبوع فى مناقشة ما يحتاج إليه العمل التربوى والدعوى والعام، وبالتالى يمكن لنا أن نتصور الحالة التى أوصلنا إليها المرشد «عاكف».. حاولنا معالجة هذا الوضع الأسيف، وقلنا إذا كان المرشد لا توجد لديه قدرة على رئاسة الجلسات إلا فى حدود هذه الدقائق، الأمر الذى كان يستحيل معه بحث أو دراسة أى قضية، فلا بأس من أن تستمر جلسة هيئة المكتب أو المكتب برئاسة النائب الأول (بحكم اللائحة) كى يستطيع المكتب أن يقوم بدوره ويفى بمسئولياته.. غير أن الرجل كان يجهض أى قرار اتخذه المكتب يرى أنه ليس منسجماً مع وجهة نظره.. لذا، لم يكن أمام أعضاء المكتب إلا أن يتوقفوا عن هذا النهج والاكتفاء بجلسات الدقائق التى يعقدها المكتب برئاسة المرشد.. وكان لذلك آثاره وتداعياته.. ومن الإنصاف أن نقول إن النائب الأول وأعضاء مكتب الإرشاد كانوا مسئولين عن هذا التردى الذى أوصلنا إليه المرشد «عاكف»، إذ كان من الممكن أن يتخذوا من الإجراءات ما يوقفه عند حده.. لكن للأسف، لم تكن هناك إرادة، ولم يكن أمام البعض إلا الصبر واستعمال المسكنات وترحيل المشكلات إلى أجل غير مسمى من باب «الزمن جزء من العلاج»، وهكذا مضت الأمور.. وإزاء هذا كله ارتأى الرجل أن يمضى وأن يكون يوم ١٣ يناير ٢٠١٠، أى آخر يوم له فى الولاية الأولى، هو آخر عهده بالمرشدية!