فجأة أعلنت روسيا الاتحادية أن مصر يمكن أن تلعب دوراً مهماً فى ترتيبات خفض التوتر فى إدلب، وأنها يمكن أن تمارس دوراً مهماً فى ترتيب الأوضاع فى سوريا لأنها طرف مقبول من الجميع. وقد جاء هذا الموقف الروسى بعد صعوبات بالغة واجهت محاولات موسكو الاعتماد على تركيا فى ترتيب الأوضاع فى سوريا، وهو الأمر الذى فشل فى النهاية بسبب الانحياز التركى التام للجماعات الإرهابية المسلحة التى تقاتل نظام الأسد، ومشاركة تركيا بقوة فى انتهاك السيادة السورية، وهو ما بدا واضحاً فى أزمة الدول الأربع مع قطر، فقد دعمت أنقرة الموقف القطرى المؤيد للجماعات الإرهابية المسلحة العاملة على الأراضى السورية، وفى الوقت نفسه أدرك الجميع استيقاظ القومية التركية والعثمانية من جديد، بكل ما يعنيه ذلك من عودة الأطماع فى الأراضى السورية.
تصورت روسيا أن الاستعانة بتركيا تعنى التحكم فى الجماعات المتطرفة على الأراضى السورية، ومن هنا وثق بوتين علاقته بأردوغان، وجاء هذا التوثيق على حساب العلاقة مع مصر، فأردوغان الإخوانى استغل هذا التصور الروسى، الخاطئ، فى الضغط على موسكو لتحجيم العلاقات مع مصر ومنع عودة السياحة الروسية إلى مصر، ونجح فى ذلك إلى حد بعيد على النحو الذى سبب صدمة لدى الجانب المصرى الذى كان يتطلع إلى علاقات مميزة مع موسكو وأن هذه العلاقات تسمح بتجاوز تداعيات سقوط الطائرة الروسية على الأراضى المصرية فى أكتوبر ٢٠١٤، فقد تجاوزت روسيا عن إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية وقتل أحد ملاحيها بطريقة همجية بشعة.
السؤال هنا، لماذا تتطلع روسيا الآن إلى الاستعانة بمصر فى تسوية الأوضاع فى سوريا؟
الإجابة ببساطة لأن روسيا تعلم تماماً أن موقف مصر من الأحداث فى سوريا موقف مبدئى يتمسك بوحدة وسلامة الأراضى السورية ويحافظ على سيادة الدولة السورية ويرى سوريا الموحدة جزءاً من الرؤية المصرية الشاملة للأمن القومى العربى، وأن مصر تميز بين موقفها من الأشخاص والنظم وموقفها من الأوطان والدول، وذلك باستثناء عام حكم الجماعة، فإن مصر كانت ولا تزال ترى الحل فى الحوار السياسى وأن مصير الأسد ونظامه يحدده الشعب السورى، وأنها ضد نشر الفوضى والخراب فى سوريا، وهو ما يتوافق مع الموقف الروسى إجمالاً ويتناقض بشدة مع الموقف التركى. فى الوقت نفسه تسبب الخلاف القطرى مع دول الخليج الرئيسية وتحديداً السعودية والإمارات، ودعم تركيا للموقف القطرى بالكامل، فى تخفيف حدة الموقفين السعودى والإماراتى من النظام السورى واقترابهما من الرؤية المصرية.
من هنا أدركت موسكو عبء وثقل الدور التركى وتناقضه مع رؤيتها للحل فى سوريا، فتخلت تدريجياً عن تركيا وبدأت تتجه نحو مصر للاستعانة بها فى ترتيب الأوضاع فى سوريا وفى الوقت نفسه ضبط الموقفين السعودى والإماراتى فى سوريا، لكل ذلك باتت مصر الطرف الأكثر قدرة على التعاطى مع الرؤية الروسية لتسوية الأوضاع فى سوريا، وهو ما رحبت به أطراف عديدة وتحفظت عليه فصائل المعارضة السورية المعتدلة التى أبدت مخاوفها من «الانحياز» المصرى للنظام السورى وهى رؤية قاصرة لم تتعاطَ مع جوهر الرؤية المصرية، وإذا ما انفتحت على القاهرة فسوف تدرك أنها تعمل على وحدة وسلامة الأراضى السورية ومنع انتشار الفوضى والتصدى للجماعات الإرهابية المتطرفة التى تنشر الخراب والدمار على الأراضى السورية.
لكل ذلك يبدو واضحاً أننا مقدمون على مرحلة جديدة فى العلاقات المصرية الروسية وعلى تمدد للدور المصرى الفاعل عربياً وإقليمياً، والذى افتقدناه منذ عقود طويلة.