تجربة بسيطة يمكن أن يجريها أى مصرى الآن.. راجع على موقع يوتيوب أى حفل غنائى قديم أو أى مباراة لكرة القدم وتفحص الحاضرين وانظر إلى وجوههم وملابسهم.. لن تجد إلا الشياكة والأناقة على التذوق والاستماع والمشاهدة بغير سوقية ولا ابتذال!
هل تعرفون سر المثال السابق؟ الإجابة ببساطة أن الحرب على مصر وعلى مشروعها التنموى الطموح الكبير كان فى شكله المباشر القديم.. العدوان العسكرى بقدوم الجيوش ومعها السفن العسكرية وحاملات الطائرات وعليها كل أنواع الأسلحة وبجانبها كانت العقوبات الاقتصادية التى بلغت حد الحصار الاقتصادى والمواجهات السياسية فى المحافل الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة!
هذه الصيغة الحادة والمباشرة فى المواجهة لها إيجابياتها العديدة، منها خشونة للرجال ومسئولية للفتيات والسيدات ومجتمع واحد موحد متماسك، تتراجع وليس تختفى فيه الأحلام الشخصية لحساب الأحلام العامة، وترتفع فيه مكانة العمل ولذلك ليس غريباً أن نشاهد فى أفلام الستينات مثلاً كيف يصل خطاب التعيين لشاب حديث التخرج يبشره بالتعيين، فيملأ الدنيا ضجيجاً وفرحاً، رغم أن التعيين جاء فى جبل عتاقة أو فى أسوان أو مدن بعيدة عن القاهرة، بينما تنزعج الأمهات فى هذه المشاهد لاغتراب الأبناء، ومع ذلك لا يؤثر هذا فى عزيمتهم وإصرارهم على إثبات أنفسهم والاعتماد على ذواتهم فينطلقون، ونشاهد فى لقطات تالية أول خطاب من بعيد!
صحيح لعبت الدولة دوراً مهماً فى إبراز قيمة العمل والتشجيع عليه.. فها هو فيلم شهير وناجح يضم نجوماً كباراً مثل «الأيدى الناعمة» كل فكرته عن العمل وقيمته، كتبه أحد أكبر كتاب الوطن العربى توفيق الحكيم وأنتجته السينما التى كانت فى خدمة المجتمع، لكن يجب أن نعترف أن المجتمع كان مع ذلك وتقبله، بدليل أن هذه الموجة من الأفلام نجحت ولم يسخر منها أحد ولم يخسر منتجوها حتى لو كان المنتج هى الدولة!
اليوم.. لا يتم اختراق المجتمع بشبكات الجواسيس بشكلها القديم فحسب.. ولا بعناصر تعمل فى خدمة الخارج بالمصالح وبأشكال أخرى لا تخطر على بال أحد فقط.. وإنما باتت أشكال اختراق المجتمعات شاملة ومتنوعة ومتعددة.. إحدى أهم هذه الأدوات هى التقاليع! نعم التقاليع.. من ثقافة الأكل والشرب إلى باقى تفاصيل الحياة.. كثيرون سيردون الآن وعلى الفور وربما بانفعال أن هذا كله «حرية شخصية»، وبالطبع لا تأتى أى تقاليع جديدة واردة إلا وكانت تحت زعم الحرية «الشخصية»!
منذ منتصف السبعينات وفُتح الباب على مصراعيه لأمركة حياة المصريين، إلا وانتشرت ثقافة «التيك أواى» التى لا تمر مناسبة إلا ويحذر منها ومن خطرها الأطباء أصحاب الضمير، ولأسباب طبية خالصة وليس لأسباب ثقافية، لكن لم ينتبه أحد أن إنهاك قوى المجتمع بالأمراض هو أيضاً هدف أصيل لأعداء مصر والمصريين!
ومن تناول طعام «التيك أواى» غير الصحى الذى كان على حساب اجتماع الأسر وقت الطعام على مائدة واحدة مقدسة إلى الاعتياد على تناول المشروبات الغازية أثناء وبعد الوجبات، وهى مثل سابقتها لا يمر يوم إلا ويحذر كافة أطباء العالم من خطورة ذلك على الصحة العامة للمصريين، وقبل التفكير فى أهمية هذه المشروبات وفوائدها انتقلنا إلى طريقة الحياة نفسها وتسرب إلى تقاليدنا ما لم نعرفه من قبل، مثل التعارف الزائد عن الحد بغير ارتباط شرعى وظاهرة دفع الحساب «إنجليزى» كل واحد لنفسه، وغيرها من التقاليع التى انتقلت إلى شكل وسلوك الأشخاص أنفسهم من التحدث بلغة غير عربية والإصرار عليها، ليس فقط كمفردات بين الكلام وإنما باستبدال ردىء لبعض المصطلحات فتحول «السيد» مثلاً إلى «مستر» وهكذا!
وأخيراً.. كان طبيعياً بعد تمرير النماذج السابقة أن نصل إلى محطة الـ«سنجل مازر» و«جوزى هو جوزك»، وهى مرحلة خطيرة، تعنى أن من يخطط لتفكيك هذا البلد الآمن يرى أن الوقت مناسب لتمرير ذلك والدعوة إليه!
قد يقول أحدهم: «يعنى هو شرب المشروبات الغازية هو اللى هيوقع مصر؟» وبالطبع لا، رغم أن السؤال ساذج وسطحى، إذ إننا الآن أمام وجود كل الأمثلة السابقة فى مجتمعنا وهى كلها كفيلة بهدم الأمم، لأن ثقافتها أصبحت فى مرمى نيران مباشرة، وعندما تضيع الثقافة وقيم المجتمع تفقد الشعوب مناعتها وتحصيناتها الذاتية، عندئذ تكون جاهزة كفريسة لغيرها!
الخلاصة: لا تستهينوا بمثل ذلك.. مهما سخر منه البعض وسفهه البعض الآخر ودافع عنه البعض الثالث بدعاوى الحرية الشخصية.. إذ إن الأصل فى الحريات أنها مصانة للجميع شرط عدم أذى الآخرين.. فما بالنا بأذى المجتمع نفسه؟ المجتمع كله؟!!
استفيقوا.... يرحمكم الله!