بدعوة من اللجنة التشريعية بمجلس النواب حضرت جلسة الاستماع الثانية، حاضراً عن المجلس القومى لحقوق الإنسان لمناقشة مقترح تعديل قانون الإجراءات الجنائية، الذى أعدته اللجنة العليا للإصلاح التشريعى وقدمته إلى اللجنة التشريعية بمجلس النواب، التى قررت لأهمية المشروع البدء بجلسات استماع يحضرها أساتذة القانون الجنائى وحقوقيون ومحامون، بالإضافة إلى أعضاء اللجنة التشريعية، وقد أكد السيد رئيس اللجنة أهمية هذا القانون ووصفه بأنه الدستور الثانى للبلاد، وهذا صحيح، فقانون الإجراءات الجنائية هو الذى يحمى حرية المواطن ويؤكد قرينة البراءة التى تعد مبدأ إنسانياً أقرته مواثيق حقوق الإنسان واعتبرت أن الإنسان برىء حتى تثبت إدانته فى محاكمة عادلة ومنصفة، وهو ما أكده الدستور الجديد فى المادة 51، التى نصت على أن الكرامة حق لكل إنسان ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها، كما تنص المادة 96 على أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، بالإضافة إلى ما نص عليه الدستور من ضمانات جديدة للمحاكمة العادلة والمنصفة، أهمها حق استئناف الأحكام الجنائية وهو تحقيق لمبدأ مستقر فى النظم القضائية الحديثة أن المحاكمة على درجتين.
ورغم أن القانون القائم به العديد من الضمانات التى تعد ضمانات لحماية حرية الإنسان أثناء مرحلة التحقيق والمحاكمة فإن هناك تطورات شهدها النظام الجنائى فى أغلب الدول الديمقراطية وتخلفنا عن مواكبتها، منها نظام الإعلان بالجلسات والقضايا، حيث لا تزال مصر تعتمد على نظام المحضرين الذى يسهم بشكل كبير فى تأجيل القضايا ومد أمد المحاكمات، أيضاً لا يوجد فى القانون أى قواعد تنظم المنع من السفر، وبالتالى تعددت الجهات التى تمنع المواطنين من السفر والإدراج فى قوائم الترقب والوصول، وهى حالات يفاجأ بها المواطن سواء أثناء عودته من السفر أو أثناء إنهاء إجراءت السفر، كذلك عدم إعمال بدائل الحبس الاحتياطى، مما أدى إلى تحول الحبس الاحتياطى إلى عقوبة بدون حكم قضائى، كذلك يفتقد قانون الإجراءات الحالى نظاماً لحماية الشهود، لا سيما بعد تصاعد الإرهاب ووجود خطورة على الشهود فى قضايا مثل الإرهاب الذى يمكن أن يستهدف الشهود، أيضاً ينقص قانون الإجراءات قاضى تنفيذ العقوبة، وهو نظام مأخوذ به فى كثير من دول العالم لضمان تنفيذ العقوبة بما يحقق المعايير الدولية لمعاملة السجناء وتحقيق الهدف من النظام العقابى بإصلاح المجرم وإعادة تأهيله لإدماجه مرة أخرى فى المجتمع.
وفى الحقيقة التعديلات المقترحة تتضمن العديد من الأحكام المستحدثة التى تسهم فى تحقيق العدالة وتيسير إجراءات التقاضى، ولكن هناك عدداً من الملاحظات التى تحتاج إلى دراسات مقارنة مع النظم الحديثة، والتى أخذت بها دول عريقة فى الديمقراطية مثل فرنسا وبلجيكا لضمان تحقيق مبدأ الحق فى المحاكمة العادلة والمنصفة، بالإضافة إلى تحقيق العدالة الناجزة بدون أن نفتئت على حقوق المتهم فى الدفاع عن نفسه وتحقيق الأدلة الجنائية بما يفصل فى الدعوى بالحق والعدل، لكن أخطر ما فى المشروع مسألتان أساسيتان، الأولى تتناقض مع هذه المبادئ أولها هو إعطاء القاضى سلطة تقديرية فى سماع شهود النفى بالقبول أو الرفض، وهو أمر يحرم المتهم من اللجوء إلى دليل قاطع على نفى الجريمة، ولو استمعت المحكمة إليه قد يتغير وجه النظر فى الدعوى، ولا يجوز الاحتجاج بمطلب الإسراع فى الفصل فى القضايا، فلا يجب أن يأتى الإسراع فى الحكم على حساب حقوق الدفاع، ثانيها هو دمج سلطتى التحقيق والاتهام فيجب أن تأخذ النيابة العامة سلطة التحقيق كاملة إلا أن سلطة الاتهام يجب أن تعطى لقاضٍ للنظر فى أوراق التحقيق وأدلة الثبوت والنفى ومدى توافر الاتهام أو الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، وكان هذا النظام مأخوذاً به فى مصر باسم مستشار الإحالة منذ عام 1950 وحتى عام 1980 عندما تم تعطيل هذا «الفصل» فى قانون الإجراءات الجنائية، فتحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان تتطلب الأخذ بنظام الفصل بين سلطة التحقيق وسلطة الاتهام.