اطلبوا الرحمة من الله. لا يتحدثن أحد عن إقالة وزير النقل، أو طرد رئيس هيئة سكك حديد مصر، بعد تصادم قطارى الإسكندرية ووفاة العشرات وإصابة المئات، فقد سبقت هذه الحادثة حوادث عديدة راح فيها الكثيرون، وفى كل مرة تتكرر هذه المطالبات ولا شىء يتغير. لا يتحدثن أحد عن إصلاح الشبكة المتهالكة التى تقبض أرواح المواطنين الغلابة، فقد نودى بإصلاحها عدة مرات بعدد حوادث القطارات ولا شىء يحدث. لا يقولن قائل شكّلوا خلية أزمة للتعامل مع الكارثة الجديدة التى شهدتها الإسكندرية، فما أكثر ما تشكلت خلايا ولا جديد. لا يرددن أحد كلاماً عن تشكيل لجنة تقصى حقائق لاكتشاف السبب فى إزهاق هذه الأرواح، فما أكثر ما تشكلت لجان تقصى حقائق والوضع على ما هو عليه، لا يفعلن أحد شيئاً من ذلك.. المطلوب فقط أن نطلب الرحمة بالعباد من خالق العباد.
لا يهم من المسئول عن الكارثة. ما القيمة لو عرفنا ذلك؟. ما الفارق أن يكون المسئول عنها وزير النقل أو رئيس السكة الحديد، أو عامل التحويلة، أو سائق هذا القطار أو ذاك؟. لا شىء يهم. الأهم من كل ذلك أن دماءً سالت وقضت إلى رحمة ربها، وأن هناك مصابين، الله وحده يعلم ماذا ستخلّف هذه الحادثة فى أجسادهم، كم منهم سوف يصبح عاجزاً عن العمل؟ كم منهم سوف يصبح مريضاً مزمناً أو صاحب عاهة فى حاجة إلى علاج دائم؟ كم منهم سوف ترتبك حياته الإنسانية والأسرية؟. الله وحده يعلم، فاطلبوا منه الرحمة، لأنه أرحم بهؤلاء من الحكومة التى ستلقى إليهم بضعة آلاف من الجنيهات، ثم تنساهم، وتنسى المآسى التى ألقت بهم فيها، وتمكث فى انتظار حادثة جديدة، كلنا يحفظ ما ستقوله وما ستفعله فيها.
هل يمكن أن يقال فى هذه الكارثة أكثر مما قيل فى كارثة أوتوبيس أطفال أسيوط التى راح ضحيتها أكثر من خمسين طفلاً (عام 2012)؟. عد بالذاكرة إلى الوراء أكثر وأكثر، واسترجع تلك الكارثة المروعة التى وقعت أوائل شهر فبراير 2002، حين احترق قطار «العياط» بمن فيه من ركاب، ليموت حرقاً ما يزيد على 300 مواطن طبقاً للتصريحات الرسمية. تلك الواقعة التى كسرت قلوب المصريين حينذاك قبل أيام من عيد الأضحى المبارك. ها نحن نستقبل حادثة جديدة فى نفس التوقيت، ونحن على مشارف عيد الأضحى أو عيد «الضحية»، سمه ما شئت، فادعوا الله تعالى أن يرحم أسر الضحايا والمصابين الذين سيستقبلون العيد بهذه المأساة. أيام شهر ذى القعدة تمضى، وتقترب بنا من العشرة الأوائل من ذى الحجة، نحن نعيش أياماً كريمة مباركة، إذا صفت فيها النفوس تقبّل الله الدعوات، فادعوا رب السماوات أن يرحمنا، بعد أن ضاقت دروب الرحمة على الأرض. من عاش مات.. ومن مات فات.. وكل ما هو آتٍ آت.. الناس يذهبون إلى إله رحمن رحيم. فاطلبوا الرحمة لمن يمكث فى الانتظار.