الألغام.. التحصين لا يمنع التعديل.. وكل المواد يمكن طرحها للاستفتاء
مطالب بتعديل مواد القضاء العسكرى بسبب الأعمال الإرهابية «صورة أرشيفية»
من المواد المعرّضة للتعديل، وشهدت اقتراحات مؤخراً بتعديلها، المادة 147 التى تنص على أنه «لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، والخاصة بإعفاء رئيس الجمهورية للوزراء، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يعفى أياً من الوزراء الذين عيّنهم، وهو رئيس السلطة التنفيذية، من منصبه، إلا بعد موافقة مجلس النواب»، وهو ما اعتبره البعض أمراً ضد المنطق، فلو رفض مجلس النواب، فكيف سيتعامَل الرئيس بعد ذلك مع الوزير، وهو ما يستوجب تعديل المادة، حسب كلام المراقبين.
أبرز المواد المثيرة للجدل تتعلق بالرئاسة وتشكيل الحكومة واختصاصات القضاء العسكرى ومجلس الدولة والإنفاق الحكومى والاستفتاء على المعاهدات
جاء دستور 2014، الذى وافق عليه الشعب فى استفتاء بعد ثورتين، والتزم بالكثير من المبادئ، متأثراً بالحالة التى سادت البلاد خصوصاً بعد عام من حكم الإخوان، وحالة الجدل حول انتخابات رئيس الجمهورية، ودارت مناقشاته قبل اختيار الرئيس، وشمل إجراءات احترازية ومبالغات فى الكثير من مواده وجنح إلى التفصيل، حسب الخبراء، على غير ما يجب فى الدساتير التى تضع قواعد عامة ومحاور لأهداف يتم ترجمتها فى صورة قوانين.
هنا نرصد أبرز المواد التى تُعتبر بمثابة «ألغام» فى الدستور، الذى وصفه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى السابق، بأنه تمت كتابته بـ«نوايا حسنة»، ووصفه الدكتور على عبدالعال، رئيس البرلمان، مؤخراً بأنه «دستور أُعد فى ظروف غير طبيعية».
ويأتى فى المقدمة المادة التى أجبرت البرلمان على مراجعة أكثر من 340 تشريعاً خلال 15 يوماً، وتم تنفيذها فعلياً، وهى التشريعات التى صدرت فى غيبة البرلمان، وفق المادة (156)، وهى المادة التى أثارت جدلاً مع استحالة عرض القوانين التى أصدرها الرئيسان السابقان محمد مرسى، وعدلى منصور، والرئيس الحالى عبدالفتاح السيسى، خلال 15 يوماً فقط من انعقاد البرلمان.
كثير من المواد تعرّضت لمشكلات أثناء التطبيق، منها التنمية بالمحافظات الحدودية وتنمية الزراعة والمواد الخاصة بالنوبة، والاستحقاقات التى أوجبها الدستور فى السكن، والحد الأدنى من المعيشة، التى تُهدر فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية، كما لم يُنفّذ البرلمان النص الدستورى بالقوانين المكمّلة للدستور، ولم يقر قانوناً للعدالة الانتقالية، وهناك المادة التى تقر تطبيق اللامركزية خلال العام الحالى، رغم عدم إجراء انتخابات المحليات حتى اليوم.
ومن المواد المعرّضة للتعديل، وشهدت اقتراحات مؤخراً بتعديلها، المادة 147 التى تنص على أنه «لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، والخاصة بإعفاء رئيس الجمهورية للوزراء، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يعفى أياً من الوزراء الذين عيّنهم، وهو رئيس السلطة التنفيذية، من منصبه، إلا بعد موافقة مجلس النواب»، وهو ما اعتبره البعض أمراً ضد المنطق، فلو رفض مجلس النواب، فكيف سيتعامَل الرئيس بعد ذلك مع الوزير، وهو ما يستوجب تعديل المادة، حسب كلام المراقبين.
وأثارت المادة الخاصة باختصاص محكمة النقض بالفصل فى عضوية النواب، جدلاً أيضاً، حيث تُعد مخالفة لمبدأ «وحدة المنازعة»، ومن غير المنطقى الفصل فى العضوية قبل إعلان النتيجة بمحكمة القضاء الإدارى، وبعد إعلان النتيجة بمحكمة النقض، وكيف يكون حتى إعلان النتيجة قراراً إدارياً، وتفصل فيه محكمة القضاء الإدارى، وبعد إعلان النتيجة تفصل فيه محكمة النقض.
كما أثارت المادة 190 الخاصة باختصاصات مجلس الدولة، ومنها «مراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية التى تُعدّها الحكومة للعرض على البرلمان»، وهو ما اعتبره أيضاً البعض تغولاً من السلطة القضائية على السلطة التشريعية، مما تسبّب فى كثير من المشكلات عند التطبيق، ويطالب معظم النواب بتعديلها، بمن فى ذلك رئيس مجلس النواب.
ومن المواد المطروحة للتعديل تلك الخاصة بـ«اختصاصات القضاء العسكرى فى باب القوات المسلحة»، وطالب البعض بأن «يختص القضاء العسكرى بجرائم الإرهاب وجرائم جماعة الإخوان بعد طول فترات التقاضى»، حتى إن رئيس مجلس النواب أعلن فى إحدى الجلسات العامة أنه يؤيد هذا التعديل، قائلاً وقتها: «لو تطلب الأمر تعديل الدستور لمواجهة الإرهاب سنقوم بتعديله بما يسمح للقضاء العسكرى بنظر جرائم الإرهاب بصفة أصلية».
وينص الدستور فى عدد من مواده على تخصيص ما لا يقل عن 10% من الإنتاج القومى للإنفاق الحكومى، على أن يُخصص 3% للصحة، و4% للتعليم ما قبل الجامعى، و2% للتعليم الجامعى، و1% للبحث العلمى، وألزم الدستور الحكومة بالوصول إلى هذه النسب بشكل تدريجى، على أن يُخصص كاملاً، بداية من العام المالى الماضى 2016 - 2017.
وقال الدكتور حسين عيسى، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إنه من المستحيل حساب النِّسب على الناتج القومى، لأنه غير موجود، ولا يتم حسابه، ويجب الحساب على الناتج الإجمالى المحلى، مما يعنى أن النِّسب تطبَّق على غير ما جاء بالدستور، ورغم عدم مطالبته بالتعديل، فإنه شدّد على أنه حال إجراء تعديلات، فلا بد من تدارك هذا الخطأ.
كما طال الحديث عن التعديلات المادة 140، التى تنظم انتخاب رئيس الجمهورية لمدة 4 سنوات، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة، وهى المادة الخاصة بمدة الرئاسة، التى طالب البعض بتعديلها من 4 إلى 6 سنوات.
وأثار الحديث عن تعديل هذه المادة جدلاً كبيراً فى ظل تأكيد وجود تحصين ضمنى لعدد من المواد فى الدستور من التعديل، واستند تحصين تلك المواد إلى المادة 226، التى تنص الفقرة الخامسة منها على أنه «فى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بمزيد من الضمانات».
وينطبق التحصين على مواد الحقوق والحريات، وأبرزها: مادة حول التعذيب تؤكد أن التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم، وأخرى تتحدث عن حظر التهجير القسرى التعسّفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم. والمادة التى تؤكد أن الدولة تلتزم بالحقوق والحريات الواردة فى الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، التى تصدّق عليها مصر.
وبسبب المادة 63 الخاصة بـ«التهجير القسرى»، أثيرت أزمة بعد تهجير أهالى رفح المصرية على الحدود، لإنشاء منطقة عازلة آمنة، فى إطار محاربة الإرهاب، حيث لم تتضمّن المادة أى استثناء للضرورة أو دواعى الأمن القومى، ونصّت على أنه «يحظر التهجير القسرى التعسّفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم».
وفى المادة 151، تشكل الفقرة الثانية لغماً، بسبب وجوب الاستفتاء على معاهدات واتفاقيات السيادة، مما يضع الدولة فى مأزق كبير، حيث تُلزم المادة رئيس الجمهورية بإجراء استفتاء على الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بحقوق السيادة، وهو ما يشمل اتفاقيات الملاحة البرية والبحرية والحدود البرية والمائية والسلاح ومعاهدات الدفاع المشترك، وهو أمر من المستحيل تنفيذه، حيث نصّت المادة على أنه «يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدّق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها، وفقاً لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف، وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة».
أما المادة المتعلقة بإعادة انتخاب الرئيس، فمحظور تعديلها، لكنه حظر غير ملزم ولا قيمة له، لأنه وفق المبادئ الدستورية لا يجوز لأمة سابقة وضعت الدستور أن تصادر على إرادة أمة لاحقة فى تعديل دستورها، فلا يمكن للشعب الذى وافق على الدستور أن يعتدى على حرية الأجيال المقبلة. ورغم تأكيد أن التحصين يمكن إلغاؤه بالاستفتاء حتى على المواد المحصّنة، فإن التحصين يُعد عقبة أمام التعديل على مواد الحقوق والحريات ومواد إعادة انتخابات الرئيس.
وفسّر الفقيه الدستورى، الدكتور فؤاد عبدالنبى، تحصين تلك المادة، مؤكداً أن الحقوق والحريات ومواد الانتخابات وحكم الرئيس لا تعديل لها إلا بزيادة الضمانات الحافظة للمكتسبات التى تحقّقت منها، ومن تلك المواد المادة الخاصة بمدة الرئاسة، وبالتالى لا تتعرّض لتعديل، إلا لإضافة ضمانات تؤكد حفظها.
وقال «عبدالنبى» إن هناك تجارب مماثلة لذلك فى القانون الألمانى، وهناك تحصين لعدد من المواد المتعلقة بالحقوق والحريات، تجاوزاً لسلبيات فترة ماضية أو أنظمة حكم سابقة. وأضاف أنه لا توجد أى مادة دستورية محصّنة من التعديل، بما فى ذلك المادة 226، التى تُحصّن بعض المواد، وكذلك المواد التى توجد فى بعض الدساتير بتحصين بعض المواد فى دساتير العالم، مشيراً إلى أن المادة 156 من دستور 1930 كانت تنص على عدم تعديله إلا بعد 10 سنوات، ورغم ذلك سقط الدستور بعد 5 سنوات فقط، وكذلك المادة 156 من دستور 1923 كانت تحظر المساس بنصوص نظام الحكومة النيابى ونظام وراثة العرش، إلى جانب مبادئ الحرية والمساواة، فتم إسقاطه بعد قيام ثورة 23 يوليو.
وقال أحمد خيرى، عضو لجنة الخمسين، التى أعدت الدستور إن نص المادة 226، جاء باتفاق وترحيب كل أعضاء اللجنة، لضمان عدم تكرار التعديل الدستورى الشهير الذى أدخله مجلس الشعب عام 1980 على دستور 1971، برفع القيد عن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية، وهو التعديل الذى استفاد منه الرئيس الأسبق حسنى مبارك، للبقاء فى السلطة 30 عاماً.
وأشار «خيرى» إلى أن النص تعرّض مباشرة إلى المادة 140 من الدستور الخاصة بضوابط وإجراءات ترشّح رئيس الجمهورية، ولم تحظر تعديل مدة الولاية، لكن حظرت فقط إعادة انتخاب الرئيس لأكثر من المرتين المنصوص عليهما فى المادة 140، موضحاً أنه رغم وجود المادة 226، فليس هناك ما يمنع من تمديد فترة الولاية الواحدة لرئيس الجمهورية، لتبلغ 6 سنوات أو أكثر، دون المساس بمسألة إعادة الانتخاب.
وتابع «خيرى» أن مناقشات لجنة الخمسين التى وضعت الدستور أكدت فى اجتماعها الـ33، فى 14 نوفمبر 2013، حظر المساس بالنصوص المتعلقة بإعادة الانتخاب، وكان التخوّف من تكرار تعديل عام 1980، وأن مسألة تمديد فترة الولاية لم تكن فى ذهن أحد، حيث كان الاتفاق على مدة الرئاسة مأخوذاً ومعمولاً به فى معظم الدساتير التى حدّدت مدة الرئاسة.