أعترف أن الأستاذ الدكتور وزير الصحة لم يتوقف عن إبهارى منذ أن تولى منصبه وحتى لحظة كتابة هذه السطور.. فكلما تحدث أكتشف أنه ليس فقط يعانى من أزمة فى التواصل مع الأطباء والمرضى على حد سواء.. بل ربما لم تصل إليه معلومة أنه يعمل وزيراً للصحة فى هذا الوطن من الأساس!!
ففى تصريح صحفى للأستاذ الدكتور وزير الصحة منذ عدة أيام.. اعترف سيادته أن القطاع الخاص يساهم بنحو ثلاثة أرباع حجم الخدمات الصحية فى مصر.. وهنا ينبغى أن أعترف له بالشجاعة لإصدار تصريح كاشف مخجل مثل ذلك.. خاصة أنه صدر من المسئول الحكومى الأول عن صحة المواطنين فى هذا الوادى الطيب.. المشكلة أن سيادته بدلاً من أن يصرح بإجراءات الوزارة لتخفيض تلك النسبة المخيفة.. وبدلاً من أن يشرح أسباب انخفاض النسبة الحكومية.. ويعمل على تدعيمها.. قرر سيادته فى نفس الحوار أنه سيقوم بإحكام الرقابة على القطاع الخاص.. وابتكار ما يسمى «بتسعيرة إرشادية» لقيمة الكشف الطبى فى العيادات الخاصة.. ووضع أرقاماً مبدئية كمبلغ ستمائة جنيه قيمة توقيع الكشف الطبى للاستشارى.. بل وسيعرض القرار على البرلمان ليكتسب الشرعية المطلوبة!!!
الحوار كله يحمل نقطتين تثيران الدهشة قبل الاستنكار.. بل يحملان من الكوميديا السوداء ما يجعلنا نضحك على حالنا ولكنه ضحك كالبكاء! الأمر الأول أن السيطرة على قطاع «هادف للربح» يخضع لمعايير العرض والطلب غير مقبول قانوناً من الأساس!! فضلاً عن عدم وجود بدائل حكومية متاحة -بحسب اعترافه- لتغطية الاحتياج إن قرر مقدم الخدمة التوقف عن العمل بسبب انخفاض الربح!! فماذا سيفعل سيادته إن أقر التسعيرة الجبرية للأطباء ورفضتها المستشفيات الخاصة؟! هل تملك الوزارة ما يكفى من الإمكانيات لتعويض إغلاق نسبة كبيرة من تلك المستشفيات إن قرروا الامتناع عن تقديم خدماتهم اعتراضاً على القرار؟! والأمر الثانى يتعلق بتلك الأرقام المتعلقة بأسعار الكشف الطبى التى اقترحها سيادته.. والتى تؤكد أن سيادته لا يعرف عن حال الأطباء والمرضى شيئاً على الإطلاق!! فالرقم ستمائة جنيه هو رقم هزلى.. يختص بفئة محدودة من الأطباء الخمس نجوم.. ولا يجرؤ استشارى أو أستاذ جامعى أن يضعه قيمة للكشف فى عيادته الخاصة.. يبدو أن سيادة الوزير لا يحمل فى محيط معارفه إلا أطباء من تلك الفئة.. أعترف أننى كنت مستلقياً على ظهرى من الضحك وأنا أقرأ هذا الرقم.. فهو يعنى أن أرفع قيمة الكشف فى عيادتى الخاصة أضعافاً مضاعفة -مع العلم أننى أعمل أستاذاً جامعياً بإحدى كليات الطب الإقليمية- ودون أن أقع تحت طائلة قانون التسعيرة الجبرية المزعوم!! إن تحديد سعر الكشف بهذا الرقم يعد كارثة بكل المقاييس..فلن يتمكن أى مريض عادى -أو فى الأقاليم المحرومة من المستشفيات الحكومية التى تحمل الحد الأدنى من الجودة..والتى تتركز كلها فى العاصمة- من دفعه أو حتى التفكير فيه!! إن تصريحات من هذا النوع.. وتفكيراً بهذا الشكل لا ينبغى أن يخرج من أستاذ جامعى مخضرم.. فضلاً عن وزير لصحة الغلابة فى هذا الوطن قبل المترفين.. واستقبال مثل هذه التصريحات دون تعقيب مجتمعى أو حكومى لهو دليل على غياب المعايير القياسية لأداء الوزراء العملى والإعلامى فى نفس الوقت!
لن أتحدث عن أزمة سيادته مع اتهام نقيب الصيادلة للوزارة بتوزيع أدوية بعد مد تاريخ صلاحيتها على مستشفيات التأمين الصحى.. ولا على عرضه فى مؤتمر الشباب أمام سيادة الرئيس لرؤية الوزارة فى ٢٠٣٠ الممتلئ بالأخطاء الإملائية.. الأمر فى مجمله يحمل استخفافاً بحال المواطن والطبيب معاً.. ويحمل غياباً عن الواقع الفعلى.. ولا يثبت إلا أن سيادة الوزير ينبغى أن يستوعب ما يجرى فى البلد الذى يعتبر هو المسئول الأول عن صحة مواطنيه..!!
استقيموا يرحمكم الله!!