لا ينقصنا من فريق المفتشين الدوليين الذى زار مصر فى الأيام الأخيرة إلا أن يحضر السيد هانز بليكس، كبير المفتشين الدوليين، الذى كانت مهمته التفتيش على النشاط النووى للعراق للتأكد -دولياً- أن العراق لم يكن لديه ما يهدد سلام إسرائيل نووياً.
فقد حضرت -وبدعوة من الحكومة المصرية- السيدة كاترين أشتون، مبعوثة عن الاتحاد الأوروبى، والتقت الرئيس السابق محمد مرسى للتأكد من أنه يلقى معاملة حسنة حتى إنها فتحت «الثلاجة» وتأكدت بنفسها من وجود أطعمة جيدة وكافية بداخلها!! متهم محبوس احتياطياً على ذمة عدة قضايا، منها التخابر مع جهات أجنبية، تسمح الحكومة لجهات أجنبية بزيارته والجلوس معه بعد ثورة شعبية أطاحت به وبحكمه الذى كان يدفع مصر إلى الحرب الأهلية، النائب العام الوحيد الذى يملك قانوناً التصريح بالزيارة أعلن أنه لم يصرح بأى زيارات، إذن من الذى صرح لمبعوثة الاتحاد الأوروبى بزيارة المتهم محمد مرسى؟ وأين القانون؟ وأين سيادته؟
ثم توالت الوفود على مصر تطلب زيارة الرئيس -المعزول بإرادة الشعب- وحسناً فعل السيد وزير الخارجية فى حضور وزير خارجية ألمانيا بأن قال إن محمد مرسى ليس مزاراً للوفود الأجنبية.
والأسبوع الماضى حضر نائب وزير الخارجية الأمريكى ووزير خارجية قطر ووزير خارجية الإمارات ومبعوث آخر من الاتحاد الأوروبى والتقوا المتهم خيرت الشاطر -المُحال لمحكمة الجنايات- فى محبسه ليلاً، وبالرغم من تكذيب وزارة الداخلية لهذه الزيارة فإن المؤكد أنهم قد التقوه فعلاً على الرغم من أن النائب العام أيضاً لم يصرح بهذه الزيارة وحتى لو كان هناك تصريح فإن أبواب السجون لا تُفتح بعد الخامسة مساءً لأى ظرف من الظروف وفقاً لقانون ولوائح ودليل العمل بالسجون، ويمكن فتحها فقط بأمر مباشر من رئيس الجمهورية أو من وزير الداخلية، فمن الذى أمر وسمح بهذه المهزلة؟
وقد هل علينا كهلال العيد -واللهم لا حسد- عضوا الكونجرس الأمريكى السيناتور جون ماكين والسيناتور ليندسى جراهام، مبعوثين من الرئيس الأمريكى أوباما ومن الكونجرس، وأُعلن أنهما سيقابلان رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس الوزراء والفريق أول عبدالفتاح السيسى.
ولنا أن نسأل: لماذا كل هذا الاهتمام الأمريكى؟ هل بالفعل كان محمد مرسى جاسوساً لأمريكا التى لا تتخلى عن رجالها؟ هل هم حقاً يسعون لمصلحة الشعب المصرى، أم أن رحيل «مرسى» يتعارض مع أمن إسرائيل؟
إن الكرامة الوطنية تقضى بأن يُرحَّب بهم بمعرفة وزير السياحة ولا مانع من أن يزوروا الأهرامات والمتحف المصرى ونقول لهم شرفتم وآنستم وليس لكم كلام فى شئوننا الداخلية.
إن هذه الزيارات أصابت الشعب الذى ثار فى 30 يونيو و3 يوليو وفوّض الدولة والقائد العام للقوات المسلحة لمحاربة العنف والإرهاب بنزوله بالملايين يوم 26 يوليو فى نهار رمضان القائظ وأثناء الصيام بالإحباط الشديد، خاصة أن الفصيل المتمرد على الشعب والوطن، وأعنى به الإخوان المسلمين ومن يناصرونهم، لم يمتنع عن أعمال العنف وقطع الطرق واستمرار العمليات الإرهابية فى سيناء بصورة يومية وقتل ضباطنا وجنودنا بلا مهادنة ولا رحمة، وكذلك الاستمرار فى تحريض القوات المسلحة على الانشقاق ودعوات متتالية لتشكيل جيش مصر الحر لمحاربة الجيش المصرى وسب وتخوين قادته.. كل هذا مستمر مع اعتصامى «رابعة العدوية» و«النهضة» المسلحين. والغريب أننا نسمع من الحكومة ومسئوليها أن الوفود تأتى للتفاوض ونسأل جميعاً: تتفاوضون مع من؟ وعلى ماذا؟ إن التفاوض هو خروج عن صلاحية الحكومة.. لقد خرج الشعب فى 26 يوليو ليس للتفويض فى إجراء مفاوضات، لكنه خرج للتفويض والأمر بالقضاء على العنف والإرهاب: العنف فى اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، والإرهاب فى سيناء وجميع مناطق القطر المصرى.
إن جميع أعضاء الحكومة لم يكونوا من الثوار ولم ينتخبهم أحد، لكنهم أتوا بالإرادة الشعبية فى 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو، ولم تكن هذه الإرادة إلا لتخليص البلاد من حكم الإخوان والقضاء على الإرهاب، وإن كانت البلاد قد تخلصت بإرادة الشعب من حكم الإخوان إلا أن القضاء على العنف والإرهاب هو مهمة الدولة فإن عجزت الحكومة عن ذلك بل وخرجت عن التفويض الممنوح لها بل وأدارت تفاوضاً مع إرهابيين يُروعون الشعب ويقطعون الطرق ويقتلون جنودنا وضباطنا ويقفون حائلاً بين الشعب وتحقيق آماله فى الحرية والتقدم فأولى بهذه الحكومة أن ترحل برغبتها قبل أن يثور عليها الشعب لخلعها، وما أيسر ذلك.
إن ما تفعله الحكومة الآن من الخضوع لفرق التفتيش وسماحها للأجانب بالتدخل فى الشأن المصرى وعجزها عن اتخاذ قرار ثورى بفض الاعتصامات -غير السلمية- فى «النهضة» و«رابعة العدوية» يهين الشعب المصرى ويهين ثورته.
ومن المستفز أن يخرج أعضاء فرق التفتيش ويُصرحوا بأن مهمتهم هى الوصول لحلول مرضية «للأطراف»، أى أطراف؟ هل الملايين من الشعب المصرى ومعهم القوات المسلحة والشرطة والأزهر والكنيسة والإعلام والقضاء طرف فى مواجهة هذه العصابات التى تدفع البلاد إلى الانشقاق والاقتتال؟ هل تساوى بين هذا وذاك؟ يبدو أن الحكومة الحالية لا تدرك أنها الطرف الأقوى فى المعادلة ولا تدرك أن الشعب لم يخرج إلا بهدف أن يتخلص من الفوضى والإرهاب ولا تدرك مسئوليتها التاريخية لتنفيذ خارطة الطريق، بل إنها تحولت إلى أداة فى أيدى القوى الخارجية وفى أيدى الإخوان لتبريد الثورة وإطفاء حرارتها وإحباط الملايين التى خرجت للخلاص، كما أنها لا تدرك المخطط الذى يحاك لهذا الوطن ولشعبه الثائر الباحث عن الاستقرار. اخرجوا على الشعب وقولوها بصراحة: نحن دون مستوى المسئولية فى اتخاذ قرارات ثورية تحقق طموحات ثورتكم. قولوها بصرحة: إن أعيننا على الخارج وإن ما يعنينا هو رضا أمريكا والاتحاد الأوروبى. قولوها بصراحة: إنه لا طاقة لنا بتحمل ما لا طاقة لنا به وهو تحقيق آمالك أيها الشعب. قولوها بصراحة: إننا قد تورطنا بقبولنا للمسئولية التى تفوق قدراتنا.
وليس سراً أن الشعب قد بدأ يفقد ثقته بكم وأنتم تُصدرون له الإحباط وكأن الشعب قد أخطأ بخروجه على الظلم والاستبداد.. إن إدارتكم تشعرنا بأننا «عملنا عملة» وأنتم تكفّرون عنها، تشعرنا أنكم تعتذرون عما قام به الشعب.
لا يا سادة، الشعب المصرى قال كلمته ولا تراجع عن تحقيق أهداف الثورة، خاصة بعد أن دفعنا ثمناً غالياً من دماء المصريين وأرواحهم وقطع أرزاقهم، ثم ألا يزعجكم ما يتعرض له الشعب وضباطه وجنوده من إرهاب ووقوع قتلى من المصريين، كل المصريين؟ ألا تستفزكم خطابات قادة الإرهاب من على المنصات؟ ألا يزعجكم تصديرهم للنساء ومتاجرتهم بأطفال مصر؟ ألا يثير نخوتكم ورجولتكم أن الشعب ما زال مُروَّعاً خائفاً على مستقبل الوطن؟ وأخيراً ألا يُخيفكم غضب هذا الشعب وقد خذلتموه؟
والخلاصة هى: إما أن تتحملوا مسئوليتكم وإما أن تستقيلوا قبل أن يُقيلكم الشعب صاحب السيادة والإرادة الحقيقية الذى أصدر قراره وعجزتم عن تنفيذه.