كالعادة، سوف يتوقف الإعلام والناس، لبعض الوقت، ثم يعبرون، أمام ما نشر حول «معركة التجمع»، التى قام فيها رجل أعمال و«رجالته» بحملة تأديب على أسرة لواء، يقطن بفيلا مجاورة، لأن رب الأسرة، الضابط المتقاعد الذى كان يقف أمام باب البيت مع أحفاده، قد نهر زوجة رجل الأعمال، التى كادت تدهسهم بقيادة متهورة لسيارتها «الفور باى فور».. «تفكيك» الواقعة لن يحتاج إلى كثير من الجهد.. كما أن الواقعة نفسها صارت مألوفة، ولها آلاف التجليات فى الشارع المصرى منذ سنوات، وليس اليوم فقط. حملة «التأديب»، خلفت: ضرب لكل أفراد أسرة الضابط، وتمزيق ملابس سيدة، «هتك عرض»، تدميراً فى فيلا الضابط، ضرب رصاص، وكل المفردات التى تشير إلى استخدام واثق لأساليب القوة غير الشرعية، التى لا تخشى عقاباً، ولا ردعاً. استغرقت المعركة التى قادها الزوج رجل الأعمال، ورجالته دقائق، وأسفرت عن تكسير عظام، وتهشيم مقتنيات، لكن الأهم والأبرز، أنها قوضت «فكرة القانون»، وبلورت صراحة وضعاً معاشاً.. واقعاً ممارساً منذ عقود، وليس وليد اليوم.. واقع الغلبة للقوة وليس للقانون، وللأمانة فإن بداية السبعينات، دشنت لهذا الواقع، بحادثة شهيرة قمت بعمل ملف صحفى عنها لمجلة «صباح الخير»، وأتذكر فى هذا السياق، وعى وإدراك مدير تحريرنا فى ذلك الوقت، أستاذى والصديق رؤوف توفيق، الذى جعل من الحادثة بوضعها ملفاً فى صدارة المجلة، قضية رأى عام تدق جرس الإنذار. كان شارع الشواربى مخصصاً بعد انفتاح السادات، لبيع البضائع المستوردة، دخل وكيل وزارة يشترى قميصاً، فى مناقشة للأسعار ضرب البائع وكيل الوزارة. لم نتعامل وقتها مهنياً مع الأمر على اعتبار أنه «مشاجرة بيع وشراء»، بل استشرفنا الدلالات الاجتماعية المصاحبة لانفتاح السداح مداح، وآليات القوة المطلة، ووضعية القيم، والتباديل التى سوف تتم اجتماعياً، وعديد من الأمور، التى رأينا كونها تؤسس لانقلاب قيمى.. وقد كان، أرضية الانقلاب القيمى وعموده، كانت تهميش «فكرة القانون»، لتسود أو تحل محله فكرة القوة، سواء كانت قوة تعتمد على السلطة، أو قوة تستند إلى الثروة أو كلتيهما معاً.. بمرور الوقت، كان الأمر يترسخ.. كل واحد وقوته، وبمقدار ما يحوز من عناصر «للقوة»، يؤمن نفسه ومجاله، ويحصل على المبتغى، ويحقق أهدافه، بصرف النظر عن مدى المشروعية لهذه الأهداف.. يومياً وعلى أصعدة متباينة تمارس فكرة «هيمنة القوة».. وقهر القانون الممارس يومياً، قد لا يبدو الأمر على نفس الدرجة من الاقتحام الفاجر لواقعة «التجمع»، التى لولا ستر الله، ووجود كاميرات الجار التى سجلت ووثقت، لما أمكن الإثبات، لكن الواقع يقول إن الغلبة فى «الشارع المصرى»، ليس لقوة القانون، وإن كان يُذكر للحكومة محاولات منها على سبيل المثال محاولة استرداد الأراضى التى تملكها الدولة والتى تم الاستيلاء عليها دون وجه حق.. بعض المتابعين رصد خلو قوائم الاسترداد من أراضٍ لحيتان شهيرة، لكن على القانون يأخذ مجراه إلى النهاية، لأن الأمر هنا لا يتعلق فقط بمجرد فكرة استعادة أموال الدولة، التى هى أموال الناس، لكنه يتعلق بفكرة إنفاذ القانون.. تفعيل الشرعية. الدولة ينبغى أن تكون «قاطرة» لإعلاء كلمة القانون، وإنفاذه وحمايته فى كل الأمور «من أول مخالفة المرور وانت طالع».. أى تسريب.. أى فجوة، فى تنفيذ القانون، هو الشرعية التى يستند عليها كل «المارقين».. موقعة التجمع، مجرد حلقة فى منظومة تغلغلت فى المجتمع، ولو أن السيد رجل الأعمال الذى قاد ورجالته حربه التدميرية ضد «قيم الشرعية والقانون»، لم يكن واثقاً من أن نهجه وأسلوبه يجد طريقه فى البلد، وأنه وقد سبق تجريبه و«جاب مفعول»، ما تجرأ، ولا خرج شاهراً كل آفات هذه الطبقة «الفجة»، التى لا تحترم لا القانون ولا البلد ولا ناسه. أرجو أن نتعامل بمنطق ليس من بينه تفريغ الشحنات بالكتابة والبرامج، بل بمنطق أننا «على الحافة».. ولا سبيل أمامنا إلا قوة القانون وليس التلاعب به أو معه.