- لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك، هكذا تنطلق أعظم هتافات التوحيد من قلوب الحجيج فى لحظات إيمانية نادرة.
- لبيك ذلاً وخضوعاً، حباً وقرباً، صلاة ومناجاة، خشوعاً وسجوداً وركوعاً، رجاءً وخوفاً.
- إنها لب توحيد الله وإفراده بالعبودية والإقرار الكامل بشرف عبوديته والخضوع والتذلل لعظمته سبحانه.
- إنها تلخص المضمون الأبرز لرسالات السماء ودعوة الأنبياء والمرسلين، وتعنى تنزيه الله وتسبيحه وتعظيمه وتقديسه، إنها جل المعرفة بالله ثم بالنفس، كأنها تناجى السماء: إننى عبد مذنب مقصر مسرف جاء تائباً لربه راغباً فى عفوه ذليلاً أمامه خاضعاً فى ملكه.
- هذه التلبية تحمل تلخيصاً رائعاً للعبودية الحقة لله والتى جاء الأنبياء وعلى رأسهم خاتم الرسل محمد«صلى الله عليه وسلم» من أجل ترسيخها وإرسائها، عقيدة غاية فى البساطة واليسر لا تعقيد فيها، يفهمها العالم وغيره، يفهمها العربى والأعجمى، يدركها المسلم الهندى والأمريكى والصينى والأوروبى فمحورها الأساسى عبادة الله وحده.
- هذه العبودية الحقة لله هى التى صنعت جيل الصحابة كأبى بكر وعمر وعثمان وعلى وخباب وبلال وعمار وياسر، كما صنعت خديجة وعائشة وسمية وأم عمارة.
- العبودية لله فطرة الله التى فطر الناس عليها، ومهما غطتها المعاصى والآثام والمظالم أو الإلحاد فإن القلب يهتف بها عند لحظة الشدائد الكاشفة.
- لبيك اللهم لبيك، لبيك فى الضيق والسعة، فى عسرنا قبل يسرنا، وفى فقرنا قبل غنانا، وفى شدتنا قبل رخائنا.
- لبيك اللهم لبيك، خلقتنا ورزقتنا وأعطيتنا وأكرمتنا بالأصل الطيب والآباء والأمهات الصالحات، وبزوجاتنا الراضيات القانعات، ورزقتنا الذرية الطيبة بغير حول منا ولا قوة.
- لبيك يا رب، أكرمتنا رغم تقصيرنا فى شكرك، سترتنا ونحن نستمرئ العصيان، أعطيتنا دون أن نحمدك، جبرت كسرنا وآويتنا، ورحمت غربتنا وكربتنا، ولولاك ما عرفناك، ولولا هدايتك ما عبدناك، ولولا سترك علينا لافتضحنا، ولولا كتابك ورسلك ما اهتدينا، ولولا دفاعك عنا لانتهينا، ولولا رحمتك بنا لتخطفنا الطير، ولولا أن وهبتنا العقل والحكمة ما تعلمنا ولا فهمنا.
- لبيك اللهم لبيك، لبيك شوقاً للقائك، واستعذاباً للصعب فى سبيلك، وركوباً لكل وعر يوصل لمرضاتك ومحبتك «إن كان رضاكم فى سهرى/ فسلام الله على وسنى».
- لبيك اللهم لبيك، يا من أغرقت الدنيا كلها لكلمات قليلة من نبيك نوح «فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ».
- لبيك اللهم لبيك، يا من منحت الدنيا كلها بإنسها وجنها وطيورها وحيواناتها استجابة لدعاء عبدك سليمان «رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً..».
- لبيك اللهم لبيك، هتف بها قلب محمد رافضاً أن يكون ملكاً رسولاً رغم عظم المنصبين، ومفضلاً «عبداً رسولاً» ليحيا ويموت عبداً متجرداً لله لا تغره زينة ولا يفتنه ملك ولا يصرفه عن ربه صارف.
- لبيك اللهم لبيك، تلك الأنشودة الجميلة للعبودية التى تضبط حياة العبد فيوقن أن الله يسمع ويرى، ويعلم خائنة الأنفس وما تخفى الصدور، فقد جاء رجل إلى رسول الله «صلى الله عليه وسلم» فقرأ عليه: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرهُ» فقال: حسبى لا أبالى ألا أسمع غيرها.
- عبودية تضبط العبد دون ترسانة القوانين التى لا تردع أحداً عن الإجرام أو الفساد أو السرقة، ودون عشرات المحاكم التى أصبحت بلا جدوى فى غياب الضمير، وقبل آلاف المدارس التى لا تربى أحداً، وآلاف المساجد التى لا روح فيها، عبودية تنبع من قلب حى يهتف «لبيك اللهم لبيك».
- لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، تمثل العبودية الخالصة لله، التى أفرزت الرجال الصالحين الزاهدين على مر الأجيال فأوجدت عزمة الصديق أبى بكر يوم الردة، وصبر بلال وهو يصدح «أحد أحد» وعدل على مع الخوارج رغم ظلمهم له.
- وهى التى ألهمت الصديقة خديجة زوج النبى بأعظم كلمة تأييد زوجة لزوجها فى التاريخ «أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتحمل الكل وتقرى الضيف وتعين على نوائب الدهر»، وألهمت هاجر أن تقول لزوجها إبراهيم عليهما السلام «إن كان الله أمرك بهذا فلن يضيعنا الله»، وجعلت الأنبياء يضحون فى سبيل الله بكل غالٍ ورخيص، فتُرمى العذراء مريم بالزور والبهتان وهى صابرة، ويطارد المسيح عليه السلام فيعفو ويغفر، ويشق بالمنشار زكريا، ويذبح السيد الحصور يحيى، ويلقى فى السجن يوسف بعد أن بيع بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين.
- لبيك اللهم لبيك هى التى جعلت أهل التصوف والزهد والعلم بالله تهتف قلوبهم «نحن فى نعمة لو علمها الملوك لحاربونا عليها بالسيوف»، وهى نعمة القرب من الله «يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ»، فلم يعد أمر المناصب والرتب والنياشين والأموال والقصور يشغلهم أو يصرف اهتمامهم عن المحبوب الأعظم سبحانه، هؤلاء جميعاً استعذبوا الطريق إلى الله.