كان أحد الشعارات الرئيسية للثورة منذ أيامها الأولى «الشعب يريد تطهير الإعلام»
منذ اللحظات الأولى لانطلاق ثورة 25 يناير لم يغب عن وعى الثوار ضرورة تطهير الإعلام الفاسد الذى لعب الدور الأكبر فى تثبيت حكم مبارك وعائلته ومهد للتوريث، وساند كل عمليات القمع والملاحقة للمناضلين ودعاة الحرية والديمقراطية، كما ساند كل اللصوص والفاسدين الذين نهبوا أموال الشعب ورقصوا على جثته.
كان أحد الشعارات الرئيسية للثورة منذ أيامها الأولى «الشعب يريد تطهير الإعلام»، ولم يكتف الثوار بترديد الهتاف، لكنهم جمعوا عدة صور لرموز صحفية وإعلامية فى لوحة واحدة مطالبين بتطهير الصحافة منها، وظلت هذه اللوحة ترفع فى كل المليونيات الكبرى على مدار الشهور الثمانية عشر الماضية، وقد قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتغيير بعض الوجوه وجاء ببعض رجاله إلى مواقع رئاسة التحرير فى بعض الصحف القومية، لكنه أبقى -لسب غير مفهوم- على وجوه أخرى، كانت جزءا لايتجزأ من نظام مبارك وحزبه المنحل.
فى 17 مارس الماضى انتهت المدة القانونية لعدد كبير من رؤساء التحرير، وأراد مجلس الشورى بحكم ولايته على المؤسسات الصحفية القومية وفقا لقانون سلطة الصحافة ( المادة 55) أن يمارس دوره فى إنفاذ القانون من ناحية وتلبية مطالب الثورة من ناحية أخرى، وكانت الفرصة متاحة أمامه بشكل كامل أن يصدر قرارات بتغيير من يشاء والإبقاء على من يشاء من رؤساء التحرير دونما تشاور مع أحد، لكنه أراد شيئا مختلفا يتناسب مع روح ثورة 25 يناير فبادر بالتواصل مع نقابة الصحفيين وطلب منها إعداد معايير موضوعية لاختيار رؤساء التحرير، وقامت النقابة بدورها بدعوة كل الصحفيين المنتخبين فى عضوية مجالس الإدارات والجمعيات العمومية للمؤسسات الصحفية، ورغم أننى لست عضوا منتخبا بأى من هذه المؤسسات فإننى شرفت بحضور إحدى الجلسات بدعوة من نقيب الصحفيين ممدوح الولى بحكم اهتمامى بالموضوع، وتوصلت تلك المناقشات، التى شارك فيها مجلس نقابة الصحفيين، إلى مجموعة من المعايير أرسلتها النقابة إلى مجلس الشورى، وقام المجلس مرة أخرى بتنظيم جلسات استماع لشيوخ المهنة الذين أدخلوا بعض التعديلات على تلك المعايير، وسارت الأمور بشكل طبيعى هادئ دون اعتراضات تذكر من قبل الجماعة الصحفية على تلك المعايير، حتى تصاعدت الخلافات داخل مجلس نقابة الصحفيين، وهى خلافات قديمة بدأت فور انتخاب المجلس والنقيب مباشرة، ولكنها فى كل مرة تأخذ بعدا جديدا، حتى وجدنا بعض أعضاء المجلس ممن وافقوا من قبل على المعايير، وكانوا مشاركين فى جلسات إقرارها، يقودون المعارضة لها دون مبرر موضوعى.
زادت سخونة الموقف مع إعلان مجلس الشورى عن تشكيل لجنة لاختيار رؤساء التحرير من بين الزملاء المتقدمين وفقا للمعايير المعلن عنها، وكان المتوقع أن ينصب الاعتراض على تشكيل اللجنة وضعف تمثيل الصحفيين فيها، لكننا فوجئنا أن الرفض انصب على فكرة التغيير ذاتها، وادعى الرافضون أن مجلس الشورى ليس مخولا بهذه المهمة رغم أن النص القانونى يعطيه هذا الحق، وطالبوا بترك الحال على ما هو عليه حتى يتم تغيير قوانين الصحافة وشكل ملكية الصحافة القومية وهو أمر قد يستغرق عاما أو أكثر لأن إعادة هيكلة الصحافة القومية أكثر تعقيدا من صنع الدستور ذاته، وستحتاج إلى نقاش مجتمعى واسع سيستغرق وقتا طويلا، ومن الضرورى خلال هذه الفترة أن يتم التغيير الذى كان ولا يزال مطلبا ملحا لغالبية الصحفيين وخصوصا الأجيال الشابة التى تريد أن تشعر أن لديها فرصة حقيقية فى تولى المواقع القيادية بعد الثورة.
فى اعتقادى أن المسألة أهون كثيرا مما يتخوف البعض؛ إذ إن الإخوان الذين حرموا من العمل بتلك المؤسسات طيلة العقود الماضية ليس لديهم كوادر لتولى مواقع رئاسة التحرير، كما أن الرؤساء الذين سيتم تعيينهم لن يعمروا كثيرا فى مواقعهم، والأهم أننا مطالبون بالتحرك الفعال لصياغة مشاريع القوانين المتعلقة بالمهنة سواء قانون سلطة الصحافة أو النقابة أو قانون المعلومات أو النصوص الواردة فى قانون العقوبات، وكذا فتح حوار جاد حول إعادة هيكلة المؤسسات الصحفية القومية وما يشمله ذلك من تأسيس مجلس وطنى للصحافة يتولى مهام كل من مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة، ويعيد للصحافة المصرية ريادتها ومجدها.