للحرية عند «البعض» مفهوم خاص جداً، فهو يعتبر نفسه غير هؤلاء البشر ولا يجرؤ أحد أن يحاسبه أو حتى يسأله عما يفعله من مخالفات للعرف والقانون ومنظومة القيم الأخلاقية!
أصحاب هذا «الوهم» كُثر، تصادفهم فى أى وكل مكان.. يشعرون أن القوانين والنظم والأعراف والقواعد قد وُضعت لغيرهم، فلا يلتزمون حتى بالاصطفاف فى أى طابور حتى ولو كان أمام «كاشير السوبر ماركت» أو انتظاراً لـ«مصعد» فى أى مبنى حكومى أو أى طابور تحتمه قواعد العُرف والذوق!
ربما يكون كل الجهد الذى يبذله أحد هؤلاء -الذين يرون فى أنفسهم أنهم مميزون- هو اختيار المخالفة التى تروق له.. ينتقى طبيعتها، يحدد توقيت ارتكابها، «فهو حر يعيش فى بلد حر» وفق مفهوم بعض مواطنيه الخاص والخاص جداً.. فهو لا يخشى شيئاً، إذ إنه مقتنع تماماً بأن أحداً لن يحاسبه، وبخاصة إذا كان من بين المنتسبين لهؤلاء المحظوظين من فئة المسنودين «مالياً»!!
يفعل ما يشاء وقتما يرغب.. لا يعنيه أن هناك قانوناً يحظر ذلك أو عُرفاً يستنكره، فكل هذه الأشياء قد وُجدت لمن هو دونه، لمن لا يحميه نفوذ أو لا يتدثر بعباءة المعارف الكبار، أما هو فلا شىء يهزه «ويا جبل ما يهزك ريح»!!
ثقافة غريبة تسودنا.. فالبعض يشعر بأنه مميز عن غيره دون أن يمتلك أياً من المؤهلات الحقيقية لهذا التميز الذى يدفعه دوماً لاختراق القانون، فكل ما يمتلكه منها فى محفظته هو فقط كارت شخصى لمسئول، أو رقم تليفون على موبايله.. كما لو كانت هذه الأشياء «جواز سفر» لارتكاب أى مخالفة دائماً أو حتى جريمة أحياناً.
الالتزام بأى قواعد عيب أن نطالبه به.. احترام أى نظام لا يجب أن يكون خاضعاً له.. حتى إشارات المرور لا يصح الالتزام بها.. وإذا ما تهورت وطالبت هذا «المميز» بالالتزام بالقواعد العامة ستسمع تعبير «انت مش عارف بتكلم مين»!!
أصحاب هذا التميز الوهمى يحلو لهم دوماً استغلال إمكانات الدولة ومرافقها دون أى وجه حق.. ويكفى هنا تلك الشوارع التى أحالوها إلى ساحة عرض لسيارات المعارض التى يمتلكونها..!
وبعيداً عن كل هذا الذى بات أمراً عادياً على الرغم من «صفاقته»، فإننا فجأة أصبحنا أمام واقع ينذر بعواقب كارثية إذا ما جرى التعامل معه باستخفاف، حيث إن آخر ما أقدم عليه هؤلاء المميزون دون سبب سوى أنهم مسنودون نفوذاً أو مالاً هو ما تداوله مستخدمو «فيس بوك»، يوم الخميس الماضى، من رواية لسيدة قالت إنها تعرضت وأسرتها للاعتداء عليها وعلى أسرتها من «بودى جاردات» وصفتهم بـ«البلطجية» داخل منزلها بحى التجمع الخامس. وقالت السيدة، فى منشور تداولته صفحة «امسك مخالفة»، إن 40 «بودى جارد» مسلحين ببنادق آلية اقتحموا فيلتها وأطلقوا النار بشكل عشوائى، بعدما حدثت مشادة كلامية بين زوجها وبين سيدة كانت تقود سيارتها بسرعة جنونية أمام المنزل، وكادت تصدم حفيدها.
على جانب، زوجها «لواء سابق» فقد وجد نفسه فجأة منكسراً أمام أسرته، إذ قال: «إننى كنت أدافع عن مصر إلا إننى لم أستطع أن أدافع عن أسرتى».. حالة الانكسار تلك هزمته بعد أن حاول أن يدافع بشىء من الحماس عن أسرته، إلا أنه كان يجهل قواعد اللعب مع من يتوهم أنه «من الكبار»!!
الفارق بين رب الأسرة هذا وبين غيره من ملايين المواطنين الذين قد يتعرض بعضهم لمثل ما تعرض له أن له ظهراً يحميه وأن أجندة تليفوناته تحوى أرقاماً لشخصيات يسبقها تعبير «VIP» يمكنها أن تتدخل فى أى وقت لتصحح أوضاعاً، سواء عن حق أو عن غيره!!.. فالأمر أصبح الآن مطروحاً أمام النيابة التى أصدرت قراراً فى البداية بحبس زوج السيدة، وهو رجل أعمال وصاحب مدارس شهيرة، وزوجته و15 متهماً آخرين من شركائهم فى تلك الواقعة، بالإضافة لـ6 سيارات جرى استخدامها لنقل المتهمين لفيلا المجنى عليهم، وذلك فى أقل من 48 ساعة!!.
مأساة «رب الأسرة» تثير قضية شائكة تتعلق بـ«أسلوب» تعامل بعض من يتوهمون أن لهم سلطة تعلو سلطة القانون ولا يُساءلون عما يرتكبونه من حماقات مع المواطنين وتعمدهم إهدار آدمية المواطن فى أحيان كثيرة.. إضافة إلى ما تثيره من نقاش حول حقيقة اهتمام وزارة الداخلية بالأمن الجنائى إلى جانب «الأمن السياسى» بالقطع.. وهل هى حقاً حريصة على ذلك أم أن الأمر كان سيختلف تماماً إذا لم يكن للشاكى حيثية فى المجتمع!
إذا كنا قد اعتدنا منذ السبعينات على مشهد مواكب مسئولين حكوميين تمثل فزاعة لمن يوقعه حظه العاثر فى السير بسيارته على كوبرى أو فى أى طريق عندما يفاجأ بأمر صادر من سيارة الحراسات بإفساح الطريق فإن الأمر قد تجاوز كل ذلك إلى مواكب وحراسات خاصة لرجال أعمال وفنانين، بل وراقصات ربما كانت أى واحدة منهن فى سابق الزمن تتمنى يوماً ما أن تجد لقدمها موقعاً على سلم أوتوبيس إلى «إمبابة أو وراق الحضر»..!! غير أنه لمثل هذه المواكب أيضاً قواعد قد تكون أكثر صرامة من قواعد مواكب كبار المسئولين!!.. باختصار يجب إخضاع الجميع للقانون حتى لا يكون هناك من يتوهم أن من حقه أن يفعل أى شىء دون أن يسأله أحد ونفاجأ بأن نصف المجتمع يثأرون لأنفسهم بعد أن انحنى القانون لمن يتوهم بأنه فوق مستوى البشر..!