مراكز التأهيل للكليات العسكرية.. متاجرة بحلم «البدلة الميرى»
تأهيل وتدريب الطلاب على السباحة داخل أحد المراكز
رغبة واحدة جمعتهم، وآمال عقدوها منذ انتهاء عامهم الثالث فى المرحلة الثانوية، حلم ارتداء البدلة الميرى، يبحثون عن أى وسيلة تقدم لهم يد العون فى رحلتهم نحو الالتحاق بإحدى الكليات أو أحد المعاهد العسكرية، حتى لاحت لهم فى الأفق تلك الإعلانات التى امتلأت بها الشوارع والميادين ومحطات مترو الأنفاق، محملة بجمل حماسية جعلتهم يظنون أنها طريقهم المنشود لتحقيق المراد، إلا أن الرياح لا تأتى دائماً بما تشتهى السفن، فما هى إلا أيام أولى لهم داخل أروقة هذه المراكز، ليكتشفوا أنهم قد دفعوا رسوم اشتراكهم هباءً، مصطدمين بهذه «الهرجلة» التى عاشوا فى كنفها أياماً تحت شعار التدريبات ضمن مجموعة كبيرة من الطلاب يتخطى عددهم المئات، حسبما قالوا، وأنهم فى نهاية المطاف أمام أحد أمرين، إما استكمال فترة التدريب على مضض، وإما الانسحاب رغم ما دفعوه من نقود. «الوطن» فتحت ملف «بيزنس التأهيل للكليات العسكرية»، وتحدثت إلى عدد من طلاب هذه المراكز السابقين، يحكون تجاربهم وما عاشوه فيها من مواقف، كما ناقشت عدداً من الخبراء والمسئولين للوقوف على مدى قانونية مثل هذه المراكز من عدمه.
روايات طلاب مراكز التأهيل للكليات والمعاهد العسكرية، اختلفت عن بعضها، فضلاً عن اختلاف الأعوام التى التحقوا فيها بهذه المراكز، وفى النهاية كانت النتيجة واحدة، فما عاشوه فى تجاربهم ليس سوى فترة من الإهمال وعدم الخبرة، وأعداد كبيرة فى التدريب لا تساعد على استيعابه، فضلاً عن عدم جاهزية الأماكن المعدة للتدريب، وكلها أسباب جعلتهم جميعاً يمقتون هذه الفترة، لاسيما بعد إخفاقهم فى الالتحاق بالكليات العسكرية التى أرادوها.
طلاب سابقون يروون تجاربهم: الإهمال وعدم الجاهزية أكبر مشكلات المراكز
«اتاخدنا على غفلتنا لأننا كنا بنتمسك بأى فرصة تقربنا من اللى إحنا عايزينه».. جملة خرجت بنبرة غلب عليها اليأس، من طالب الفرقة الثانية بكلية التجارة جامعة عين شمس، علاء صبحى، حينما تذكر تجربته مع واحد من هذه المراكز قبل عامين، عندما أراد أن يتقدم للالتحاق بالكلية الحربية، فكان ما رآه فى الداخل بمثابة صدمة له على عكس ما توقع: «التمرين كان عبارة عن شوية جرى وخلاص، والمكان ماكانش مناسب خالص للتمارين، وكنا بنتدرب فى إسطبل خيول، والريحة فى المكان كانت صعبة جداً وطالعة علينا، ده غير إن الأرض كانت رملة مش نجيلة حتى».
«عادل»: «الوضع ماعجبنيش وحسيت إن كل همهم الفلوس» و«عبدالغنى»: «بيعملوا البحر طحينة».. و«علاء»: «التمرين جرى وخلاص.. وكنا بنتدرب فى إسطبل خيول».. و«رأفت»: «هرجلة فى قفزة الثقة ومفيش اهتمام.. وكنت هاموت»
لم تكن طبيعة المكان الذى تقام عليه التدريبات فقط ما أثار سخط «علاء»، بل كان الشاب قد لاحظ كذلك عدم خبرة المدربين، وهو الأمر الذى فطن له فيما بعد: «كانوا بيعملوا أى تمرينتين يضحكوا بيهم علينا، وأنا مافهمتش الكلام ده إلا لما دخلت ودفعت الفلوس، وحتى فى حمام السباحة ماكانش فيه مدربين كويسين ودخلت وخرجت من غير ما أتعلم السباحة»، ساعة واحدة فقط كانت هى مدة التدريب الذى يتلقاه «علاء»، وهى مدة غير كافية من وجهة نظره، جعلته يصل إلى مراحل غضبه الأخيرة، ليعبر قائلاً: «مفيش حاجة عجبتنى معاهم خالص، وكان كله لعب فى لعب، وجيت فى نص السكة سبت فلوسى ورحت الجيم أجهز نفسى بنفسى، لأنه كان أوفر لى عشان كنت باركب مواصلات كتير».
شهرة اكتسبتها هذه المراكز من خلال كثرة إعلاناتها، حسب ما قال «علاء»، إلا أن إهمالهم فى التدريبات التى يلقنونها لطلابهم جعل عدداً كبيراً منهم ينسحب واحداً بعد الآخر: «أول ما بدأنا كان العدد كبير جداً لكن بعد كده الناس بدأت تمشى واحدة واحدة، بس هما بيجبرونا بالفلوس اللى بندفعها فى الأول».
تجربة أخرى، مر عليها ما يزيد على أعوام خمسة، عاشها العشرينى محمد رأفت، عندما أراد الالتحاق بكلية الشرطة، ليرى فيها ما رأى من مواقف جعلته يكون رأيه المضاد تجاه مثل هذه المراكز التأهيلية: «اللى كنا عارفينه إن الناس دى هم اللى هيأهلوك كويس عشان لما تقدم فى الكلية تقبل، وإننا من غيرهم مش هنقبل، بس طبعاً الكلام ده كله مكانش صحيح ووقتها كنت صغير ومصدق»، مراحل كاملة للتأهيل كانت تتضمنها الفترة المحددة وفق قيمة الاشتراك، بداية من اللياقة البدنية والسباحة وقفزة الثقة وانتهاءً بملء ملف التقديم نفسه، وكل مرحلة من هذه المراحل كان لها اشتراكها المحدد سلفاً، حسب «رأفت»، فإما أن تختار جميع المراحل ضمن اشتراك واحد، وإما أن تختار ما تريد وتدفع قيمته مفردة.
مراحل التأهيل كاملة دفع قيمتها «رأفت» مقدماً، قبل أن يخوض التجربة، إلا أنه لم يرض عنها فى نهاية الأمر، وإن كان قد أعجبه بعض منها حينها، مثل تمرينات اللياقة التى كانت جديدة بالنسبة له، فلم يكن يعلم منها ما هو جيد وما هو غير جيد: «تمارين اللياقة أنا اهتميت بيها ساعتها عشان كده حبيتها وحسيت بالفرق حتى فى الآخر، لكن أصعب حاجة قفلتنى منهم هى قفزة الثقة، كانت الدنيا فيها مهرجان، وكانت صعبة جداً وماكانش فيه أى اهتمام».
الإهمال و«الهرجلة» التى رآها «رأفت» أثناء عمليات التدريب على قفزة الثقة، لم تمر عليه مرور الكرام، وإنما كانت سبباً فى أن يعيش هو نفسه أحد المواقف، نجا منه بصعوبة بالغة، بعد أن كاد يكون أحد ضحايا مثل هذه التمرينات، يحكى عنه قائلاً: «أنا نطيت من 10 متر، كنت واقف على المنط وفيه واحد نط قدامى، وبعد كده المدرب اللى كان واقف طلعنى على الدرجة اللى بنط من عليها، وطبعاً طالما خدت الخطوة دى لازم تنط، وأول ما خدت وضع الاستعداد ولسه بنط ورجلى فى الهوا، اكتشفوا إن فيه ناس كتير لسه تحت فى الميّه ماخرجوش، وقتها المدرب شدنى وأنا نص جسمى فى الهوا، ولما مقدرش يتملك منى وسمعت صيحات بصوت عالى جداً حسيت بمصيبة، ولما بصيت لقيت تلاتة تحت، وحاولت أبعد عنهم وانا نازل، وفعلاً نزلت فى مكان بعيد عنهم بس خدت خبطة جامدة فى الميّه خلت سنانى تجيب دم وصدرى ماكنتش قادر أتنفس منه، ودى كانت أسوأ حاجة، لأنه فى كل الأحول كنت هيجرالى حاجة، لو شدنى كنت هتخبط فى الحيطة وفى نفس الوقت لو وقعت على الناس كان ممكن حد يموت»، مشيراً إلى تزايد عدد المتدربين وقتها بصورة كبيرة، تخطت حاجز الـ400 متدرب، وهو ما شكل نوعاً من عدم القدرة على التنظيم الذى تسبب فى مزيد من الأزمات.
وفى عام 2015، كانت تجربة أخرى لـ«عادل مصطفى» صاحب العشرين عاماً، ورغم كونه رياضياً فى الأساس، إلا أن شروط التقديم وبعض الأمور الأخرى التى ظن أنه لن يجدها سوى فى مراكز التأهيل، دفعته للالتحاق بها، إلا أن التجربة لم تكتمل، حسب ما قال: «هى محاضرة واحدة اللى أنا رحتها، بعد ما عملوا لنا مقاس طول ووزن، وبعد كده شرحوا لنا شوية فى الاختبارات، بس طبعاً كل حاجة كانت مفيهاش أى اهتمام، حتى فى الكشف الطبى، ولما كشفنا نظر مثلاً، كان كشف عادى جداً من غير أى أجهزة ولا حاجة».
وضع عام رآه «عادل» فى مركز التأهيل الذى التحق به جعله يقرر منذ البداية ألا يكمل هذه التجربة، ويعود مرة أخرى إلى تأهيل نفسه: «الوضع ماعجبنيش خالص، وحسيت إن كل همهم على الفلوس، وعشان أنا أصلاً رياضى وفاهم، أساليبهم ماعجبتنيش خالص بحكم خبرتى فى المجال، ولما شفت كده قعدت وكملت تأهيل مع نفسى». تأهيل غير كافٍ، وتعامل بمبدأ «السيزون» هو أبرز ما عانى منه «عبدالغنى عواد»، الشاب العشرينى، الذى خاض تجربته قبل 3 أعوام مضت، مع واحد من مراكز التأهيل المعروفة فى هذا المجال، فهو لم يحملها نتيجة إخفاقه فى الالتحاق بالكلية الحربية، وإنما رأى أن ما تقدمه لطلابها بمثابة «اللعب»، الذى لا يرقى إلى مستوى الجدية، مستغلين فى ذلك صغر سن من يتعاملون معهم من طلاب، ليعبر قائلاً: «أهم حاجة إنهم يعملوا للواحد البحر طحينة، وده بيخلى ناس كتير تفتكر إنهم تابعين للكليات العسكرية أو إنها حاجة موثقة، وده لأنهم أول ما تدخل معاهم بيقولك إن هما عارفين ناس فى الحربية وإنهم عارفين الناس اللى هتختبرك، وإنهم هيظبطونا وفى الآخر بيطلعوا كدابين».