خبراء: الدور المصرى وتصاعد التيار العروبى يخصمان من رصيد «طهران» فى «بغداد»
أبو طالب-عباس
خلال الأشهر الأخيرة بدأت ترتسم ملامح مرحلة جديدة من العلاقات العربية - العراقية، وبدت مؤشرات التقارب واضحة، التى كانت مصر أولى الدول العربية المبادرة لها، ثم بلغت تلك المؤشرات ذروتها مع ذوبان الجليد بين العراق والسعودية وتبادل الزيارات بين البلدين، فى الوقت الذى كان ينظر فيه إلى العراق دوماً باعتباره حديقة خلفية لإيران منذ الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، وإسقاط نظام صدام حسين.
وقال د. محمد عباس ناجى، الخبير فى الشأن الإيرانى: إن «إيران بصفة عامة لا تُرحّب بهذا الأمر، وترى دوماً أن أى دور عربى فى العراق هو خصم من نفوذها ودورها هناك، باعتبار أن ما يحصل محاولة لإعادة تحسين العلاقات بين الدول العربية مع العراق، وإعادته إلى الأسرة العربية وسحبه، أو إبعاده تدريجياً عن المحور الذى تقوده إيران». وأضاف «ناجى» لـ«الوطن»: لهذا قابلت إيران الزيارة الأخيرة بين العراق ودول عربية بقلق شديد، واعتبرته مرحلة جديدة من تفعيل الدور العربى فى العراق خلال الفترة المقبلة، خصوصاً أن هذا بات دوراً مصرياً كذلك، وانخراط مصر مرة أخرى فى علاقات تعاونية مع العراق، كزيارة (عمار الحكيم)، الزعيم السياسى العراقى، إلى القاهرة، وزيارة وزير الخارجية المصرى سامح شكرى إلى بغداد، وكل هذا طهران لا ترحب به».
«ناجى»: زيارة «الحكيم» للقاهرة و«شكرى» لبغداد مرحلة جديدة لدعم الدور المصرى فى القضية العراقية.. و«أبوطالب»: استقرار العراق يسهم فى تحسن علاقتها بأشقائها
وقال «ناجى»: «إيران فى هذه اللحظة تعمل على بناء تحالفاتها من جديد فى العراق خلال الفترة المقبلة، وهذا يعود إلى اعتبارين، أولهما: اعتبار أمنى يعود إلى هزيمة (داعش) فى الموصل، واقتراب الإعلان عن هزيمته كذلك فى تلعفر، وبالتالى هناك ترتيبات وأوضاع أمنية جديدة فى العراق، وإيران ستحاول المشاركة فيها من خلال تأمين سيطرة وإشراك حلفائها كـ(الحشد الشعبى)، وهذا الأمر يتعارض مع مواقف شخصيات عراقية كبيرة، مثل مقتدى الصدر، الذى كان يدعو -خلال زيارته إلى السعودية مؤخراً- إلى حصر السلاح فى يد الدولة، أى نزع السلاح من يد الميليشيات، وهذا أمر لا يتوافق مع مصالح إيران». وتابع الخبير فى الشأن الإيرانى: «الأمر الثانى هو اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية فى العراق خلال الربيع المقبل، وإيران تحاول إعادة ترتيب حلفائها السياسيين فى العراق مرة أخرى، خصوصاً مع انسلاخ عمار الحكيم عن المجلس الأعلى الإسلامى وتكوينه تياراً سياسياً جديداً، ربما يحمل توجّهات عروبية، فإيران ستحاول إعادة ترتيب علاقاتها فى العراق من جديد، لتضمن استمرار حلفائها فى السيطرة على العملية السياسية». وأضاف: «لا يمكن فصل كل هذا عن محاولة الاستفتاء فى إقليم كردستان العراق، ومحاولات تركيا وإيران عرقلة الاستفتاء، كل هذا يدخل ضمن قراءة إيران للمشهد فى العراق والترتيبات الداخلية والعلاقات مع العرب». وقال «ناجى»: «لا أعتقد أن إيران تنظر إلى التقارب العربى مع بغداد كآلية للتقارب مع العرب، دائماً إيران لا تحاول أن تجعل العراق وسيطاً، لأن كون العراق وسيطاً يعنى ابتعاده عن إيران، والأخيرة تريده منحازاً لها، لا وسيطاً، والإيرانيون أنفسهم لا يهتمون بأى محاولة للوساطة من قبل العراق مع السعودية مثلاً».
من جهته، قال مستشار مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور حسن أبوطالب، إنه «من الواضح أن هناك دوافع عربية لإعادة النظر فى السلوكيات داخل العالم العربى خلال الفترة الماضية، ومن ضمن ذلك إعادة النظر فى أن يكون هناك امتداد عربى مع كل الأطراف العربية، خصوصاً تلك التى لديها مكانة فى النظام العربى». وأضاف: «العراق تم تجاهله فترة طويلة، وذلك لأسباب مزدوجة، جزء منها تعود مسئوليته إلى الحكومات العراقية حتى لآخر حكومة قبل حيدر العبادى، أى حكومة نورى المالكى، التى كانت تتفنّن فى إبعاد العراق عن العالم العربى، وإبراز مشكلات لا أساس لها». وتابع: «مصر فى فترة من الفترات، وفى فترة مبكرة حاولت أن ترسل رسائل من هذا القبيل، لكن كل الذين كانوا حول نورى المالكى لعبوا دوراً سلبياً». وأضاف «أبوطالب»: «الآن الوضع اختلف، العراق بشكل أو بآخر يستعيد شيئاً من الاستقرار الداخلى، وبدأ يثبت أنه بلد يسير على الطريق الصحيح، وأنه بلد يسترد عافيته، والعالم العربى بدأ يرى أن هناك تغييرات فى المنطقة وتغييرات فى المواقف الإيرانية والأمريكية، وبالتالى بدأ يحصل نوع من الاستجابة لهذه المتغيرات، وجزء منها أن ينفتح أكثر وأكثر على الحكومة العراقية، ومساعدتها فى أن تسهم بحل المشكلات التى لها علاقة بالشيعة والسنة، وعلاقة العرب بغير العرب، فاستقرار العراق يضيف إلى استقرار النظام العربى».
وقال «أبوطالب»: «التقارب بين العراق والدول العربية يأتى لمصالح متبادلة بين الطرفين، وليس لطرف دون آخر، إيران الآن تواجه محاولات لعزلها، وهى الآن تبحث عن مخرج لهذه العزلة، وطهران يهمها فى ضوء التقلبات الأمريكية أن يكون لديها منفذ للتغلب على أى عقوبات قد تفرضها عليها الإدارة الأمريكية». وتابع: «إيران لديها نفوذ طاغٍ فى العراق، وهذا بات مصدر قلق بين العراقيين أنفسهم، وبدأوا ينظرون على أنه بات نفوذاً أكثر من اللازم، ويحد من حل كثير من المشكلات الداخلية، وبالتالى هناك حركة عكسية الآن فى العراق ضد إيران». واستدرك «أبوطالب»: «لن يستطيع أحد أن يقضى على النفوذ الإيرانى فى العراق حالياً، لكن على الأقل يمكن الحد منه».
لكن فى المقابل، فإن المحلل السياسى العراقى حازم العبيدى، يرى أنه لا فائدة من محاولة التقارب مع الحكومة العراقية الحالية. وقال «العبيدى»: «الحكومة الحالية فى العراق تحت يد إيران، وتأتمر بأمر طهران، ولا تتخذ أى قرار دون العودة إلى إيران، وبالتالى فلا فائدة من أى تحركات عربية لمحاولة كسبها». وأضاف «العبيدى»: «إذا كنا نحاسب قطر على تقاربها مع إيران، ونطلب من الدوحة تقليص علاقاتها رسمياً مع طهران، فكيف نتقارب -فى الوقت ذاته- مع حكومة مجرد أداة فى يد النظام الإيرانى؟، التقارب مع الحكومة العراقية الحالية هو تقارب مع إيران». وقال المحلل العراقى: «لا أتصور أن أى محاولة للتقارب من قِبَل الدول العربية مع العراق تُقلق إيران، لأن طهران لديها أدواتها القوية فى العراق كقوات (الحشد الشعبى)، إلى جانب الكتل والأحزاب والتيارات السياسية العراقية التى تدين لإيران بالولاء، والتى تعرف إيران جيداً كيف تستخدمها».