بصيغ مغايرة يعيد الشر نفسه ويختفى داخل قناع نفس طيبة ووجه ملائكى، فلا تصدق أنه الشيطان الرجيم، الذى نستعيذ به فى لحظات كثيرة ونرجمه أثناء مناسك الحج، قد يكون قريباً منك يستبطن أيامك ويستوطن جلدك يرد لك الحب كراهية ويبادلك الخير بالشر، يجتاحك اليتم عندما تكتشفه ويلتهمك الحزن ويصبح الظلم سرطاناً يسرى فى جسدك ويفرغك من كل إرادة لتقاوم بها اليأس والمرارة وطوفان الأسئلة والهذيان المدمر، وتستبدل بمن كان صديقاً أقرب ضريح حزن، عندما تخذلنا الحياة نقاوم ولكن عندما يخذلنا الأصدقاء والأحبة فماذا نفعل؟ ما الحقائق التى تستند إليها؟ كيف تصدق بشراً يركبون قطار الشر المجنون ويقررون تدميرك لأن فى قلوبهم مرضاً؟ وهل لا بد أن نتسلح بسوء الظن حتى لا نكون «أضحية»؟ وكيف نتعلم اكتشاف الشر حتى لو كان يرتدى وجه الملائكة وكان هذا الوجه والأداء المتقن حصانة تعطيه الحق فى نشر الشر والإيذاء؟ أن تكون لك قدرة الشر والإيذاء والكذب يعنى أنك غادرتك الأخلاق وأن الحرائق تبث سمومها داخلك فترسلها للآخرين مع إضفاء هالة المثالية والاحتفاظ بلقب فوق مستوى الشبهات، ولكن هذا النوع من الكائنات يجد فى الشر حلاً لكل عقده، ويجد فى تطرفه بالأذى رداً على عجز إنسانى وعدم تحقق مهنى وانتقاماً من ظروف أو تنفيساً عن عقد تراكمت عبر السنين، الشر ينضج على نار هادئة فيهديك أياماً منكسرة ماسحاً أيام الحياة، تشعر أمام هذا الشر بأنه مهما تراكمت القمامة فى الشوارع فهى ليست بقذارة من يؤدى دور الصديق بإتقان وحرفية، بينما نار الكراهية والحقد تشتعل بداخله، فيحرقك بها وكأن صدقك ومشاعرك وثقتك هى الثمن، وليس أسهل من الشر وليس أتقن من الكذب، فالشيطان يتقن الأكاذيب ويجعلك دائماً أضحية يقوم بسلخها وتقطيعها فى جميع المناسبات وكأن كل الأيام عيد أضحى وأنت الضحية، غنائم الشر لا حصر لها وحسن الظن يأتى لك بمن ليس لديه حسن ولا يستحق إلا السوء ليعمق شعور الخيبة والندم ويسلبك توازنك وعقلك، وتعيش أيامك إضراباً عن الحياة، قد تدخل فى حرب الصمت وقد يتخلى صوتك عنك ولا يسقط منك سوى الدموع والأسئلة مع سقوط مفاجئ فى القيم وفيمن وثقت بهم فقدموا إليك اغتيالات ملفقة، عندما لا تصدق شراً لفرط غرابته وشره تكن كمن قام برفع الغطاء عن صندوق قمامة أمامك دون أن يعتذر عن عفونة قلبه، وأنه وضع ذكاءه فى خدمة جنون شره وأكاذيبه، وأنه هدم ما أراد هدمه، وتكتشف أن الصدق وحسن الظن أكثر خيباتك ثباتاً، الأكاذيب عتمة والشر يجعل صاحبه يطفو بقدر كافٍ من القذارة، وإذا كان فى أعماق كل إنسان سيئ شعلة صغيرة للخير فحرائق الحقد والأكاذيب تطفئ هذه الشعلة فلا تضىء يوماً، الحقد يفقدك صوابك فتعانى إفلاساً إنسانياً وعجزاً أخلاقياً، وأن تنجو بإنسانيتك وتعتصم بنبلك وتثق أن أقنعة الشر ستسقط يوماً فذلك ليس أمراً يسيراً، فاحتفظ بتوازنك وثوابتك مهما كانت أكاذيب الشر متقنة ومتكاملة ومثيرة ومغرية، احتفظ بالخير فى داخلك وحافظ عليه فلن يبقى سوى إيمانك بأنك لا تزال إنساناً.