قبل يومين مرت الذكرى السادسة عشرة لهجمات 11 سبتمبر 2001، التى استخدمت فيها لأول مرة فى التاريخ طائرات مدنية مختطفة كعنصر تفجيرى فى مبان شاهقة، وهما برجا مركز التجارة العالمى فى قلب نيويورك، مما دمر المبنيين المستهدفين فى بضع دقائق، فى مشهد بدا لمن رآه فى حينه وكأنه يستعيد أحد المشاهد السينمائية الشهيرة فى فيلم «يوم الاستقلال» الشهير، حين وجه أحد الصحون الفضائية الطائرة قذيفة هائلة أسقطت المبانى الشاهقة فى العاصمة الأمريكية، وأخذ المارة الخائفون يجرون على غير هدى.
ولعل هذا المشهد تحديداً ألهب خيال كثيرين، أو ربما دفعهم إلى ربط هذا الخيال بالواقع الذى حدث بالفعل، وبحيث سادت تحليلات وتفسيرات عديدة انتهت إلى أن إسقاط برجى مركز التجارة العالمى كان مخططاً له من قبل أحد أجهزة الاستخبارات الأمريكية، بحيث توفر للإدارة سبباً قوياً أمام العالم أجمع للقيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق لترسيخ قيادة أمريكا للعالم، ولجعل مفهوم القرن الأمريكى الذى تبناه اليمين العنصرى آنذاك واقعاً معاشاً، وهناك كتب كثيرة صدرت بعد هذه الهجمات وبلغات مختلفة، وأفلام توثيقية شككت فى التفسير الذى اعتمدته الإدارة الأمريكية منذ الساعات الأولى وألقت فيه المسئولية على تنظيم القاعدة وعلى زعيمه شخصياً أسامة بن لادن، وهو الأمر الذى بدا متسرعاً فى حينه ولم يقدم دليلاً قوياً يدعم هذا التفسير، غير أن تقرير الكونجرس الذى شارك فيه 90 باحثاً وعالماً وأعضاء من الكونجرس من الحزبين الديمقراطى والجمهورى والذى أُنجز فى عامين، قدم رواية متعددة الزوايا ما بين علمية وظنية وروايات لشهود وتقارير استخبارية وشهادات لعناصر من القاعدة تم اعتقالها لاحقاً وأبرزها خالد شيخ محمد وخالد الشيبة، انتهى فيها إلى مسئولية القاعدة عن الحدث.
بيد أن التشكيك فى الرواية الأمريكية ظل قائماً، نظراً للثغرات التى لم تعالجها الرواية الأمريكية التى تلت الحدث مباشرة، مثل ما قيل إن طائرة ثالثة اصطدمت بمبنى البنتاجون، وأدت إلى أضرار كبيرة، ثبت أنها لم تحدث، وأن جل ما أظهرته مقاطع التصوير التى بثت فور الحدث هو عبارة عن دخان كثيف يعلو منتصف المبنى، ولم يثبت أن هذا الدخان نتيجة اصطدام طائرة مدنية، وربما كان حريقاً عادياً، كما لم يثبت أن عسكريين أصيبوا فى مقر البنتاجون، أما الطائرة الرابعة فقيل إنها كانت فى طريقها إلى الاصطدام بالبيت الأبيض، ولكن الطائرات الحربية أسقطتها فى منطقة غير مأهولة فى بوسطن، وأيضاً لم تظهر أفلام أو صور لحطام هذه الطائرة الرابعة.
الغموض بشأن الطائرتين الثالثة والرابعة لا ينفى أن هناك طائرتين مدنيتين استخدمتا بالفعل واصطدمتا ببرجى مركز التجارة العالمى، وهى المرة الأولى التى تستخدم فيها وسيلة نقل مدنية فى عمل ذى طابع عسكرى أو إرهابى أو عنيف من الدرجة الأولى، وفى الآونة الأخيرة شهدنا الأمر ذاته ولكن على نطاق أقل حدة، وهو استخدام شاحنات النقل والمخصصة لاستخدامات عادية ومعتادة لكل الناس فى عمل إرهابى تمثل فى دهس مجموعة من المارة الأبرياء كما حدث فى قلب نيس الفرنسية ومدن أوروبية أخرى.
وهناك من يرى أن أسلوب تنفيذ العملية أكبر من قدرات الأفراد الـ19 الذين تم توجيه الاتهام لهم، إذ هم هواة، فكيف يتحكمون فى طائرات مدنية كبيرة الحجم تتطلب مهارة فى القيادة، ويقومون بإعادة توجيه مسارها من حيث تخفيض الارتفاع وتحديد الاتجاه بدقة بحيث يصطدم مباشرة بالمبانى المستهدفة، يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة وطوال الفترة الماضية وجهت الاتهام لدول أخرى باعتبارها كانت وراء العملية كسوريا ثم العراق ثم المملكة السعودية ثم إيران، فى الوقت ذاته هناك محاكم فى جنوب نيويورك حكمت بالفعل بتعويضات بعدة مليارات لبعض أهالى الضحايا تدفعها إيران وتخصم من الأموال التى احتجزتها الإدارات الأمريكية طوال العقود الأربعة الماضية، وقيل فى أسباب الحكم إنه ثبت أن إيران سهلت مرور بعض الأفراد الذين نفذوا الهجمات، ومثل هذا التعدد فى توجيه الاتهامات لدول مختلفة لاعتبارات سياسية إنما يدعم الشكوك فى الرواية الأمريكية حول مسئولية القاعدة، ويفقدها المصداقية.
لكن تظل هناك رواية أخرى وردت فى المواقع الإلكترونية التابعة لحركة طالبان والقاعدة بعد مرور عام من تلك الهجمات، وهى رواية أجد أنها جديرة بالاهتمام ويمكن أن تحسم الأمر ولو جزئياً، فطوال عامين قبل حدوث الهجمات شاركت فى بحث موسع حول الرؤية الفكرية والدينية لتنظيم القاعدة، التى يتم بثها فى مواقع تابعة لبن لادن مباشرة، وكانت آنذاك 17 موقعاً إلكترونياً، إضافة إلى مواقع أخرى منسوبة لحركة طالبان وحكومتها، وقد جمعت والفريق البحثى المعاون الكثير من المادة المنشورة تمهيداً لتحليلها، واستمر العمل فى جمع تلك المادة بعد حدوث الهجمات لمدة أربعة أشهر أخرى، حتى نهاية ديسمبر 2001 حين قررت الولايات المتحدة يوم بدء الحرب على طالبان والقاعدة فى أفغانستان أن تصادر هذه المواقع وأن تضع تحذيراً لمن يريد الدخول إليها بالامتناع عن زيارة هذه المواقع لاحقاً.
طوال المدة من 11 سبتمبر حتى نهاية ديسمبر 2001، كانت كل المواقع التابعة لبن لادن تنفى نفياً قاطعاً أى مسئولية عن تلك الهجمات، ولكنها اعتبرت المنفذين مجاهدين خدموا بطريق غير مباشر المشروع الإسلامى الذى يدعون إليه، وبعد مصادرة تلك المواقع، وبعد فترة كمون قصيرة ظهرت مواقع أخرى وصفت نفسها بأنها فى خدمة المشروع الجهادى العالمى، وكانت بمثابة امتداد للمواقع التى صودرت، وأخذت تعيد نشر بيانات القاعدة وتوجيهات ومحاضرات بن لادن ولجنة القاعدة الشرعية، ولكنها استمرت تنفى أى مسئولية عن الهجمات فى نيويورك وواشنطن، ثم حدث تغير مفاجئ فى موقف تنظيم القاعدة، حيث نشر فى 11 سبتمبر 2002 فيلماً توثيقياً لمحمد عطا وخالد بن الشيبة أقرا فيه أنهما سيقدمان مع زملاء لهما على عمل كبير وسيفاجئ العالم كله، وأُرفق مع ذلك بيان يعلن مسئولية القاعدة عن الهجمات ويشيد بمنفذيها، وتم تفسير ذلك بأنه يقر بحقائق للتاريخ، ويهدف لرفع الروح المعنوية لمسلحى التنظيم الذين كانوا يواجهون ببسالة آنذاك -حسب بيانات القاعدة- الوحشية الأمريكية فى تورا بورا وغيرها، ثم توالى نشر اعترافات بعض المنفذين الآخرين، وهنا من الصعب تجاهل حقيقة أن الاستخبارات الأمريكية نفسها هى التى أنشأت القاعدة لمحاربة السوفييت وعلمت أعضاءها كافة فنون الإرهاب.