يتولى الدكتور محمد مرسى رئاسة مصر فى ظل ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد تفرض عليه تحديات هائلة، ولكنها تمنحه فى نفس الوقت فرصاً كبيرة للنجاح يمكن أن تحفظ له مكانة خاصة فى تاريخ البلاد. فقد وصلت أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى درجة من التردى تحتاج جهداً هائلاً لمعالجتها، ولكن الحالة الثورية التى تعيشها البلاد حالياً توفر له إمكانيات حقيقية للإصلاح والتطوير إذا تفاعل معها واستفاد من الطاقات الهائلة الناجمة عن هذه الحالة الثورية، وما بين الفرص المتاحة للنجاح والتحديات الكبيرة سوف تمضى رحلة الدكتور محمد مرسى فى رئاسة مصر، والأمر كله بيده؛ إما أن يستثمر هذه الفرص أو يبددها، وإما أن يواجه هذه التحديات أو يهرب من مواجهتها.[Quote_1]
أول الفرص المتاحة للدكتور محمد مرسى فى رئاسته لمصر أن البلاد مهيأة بالفعل لتحول ديمقراطى حقيقى، فقد وجهت ثورة 25 يناير ضربة قاصمة للنظام الاستبدادى ونجحت فى الإطاحة برئيسه، وتشكل فى سياق الثورة رأى عام ضاغط من أجل تفكيك بنية الاستبداد وإحلال نظام ديمقراطى محل النظام البائد، وجذبت إلى ساحة العمل السياسى ملايين المصريين، وتحظى عملية إعداد الدستور الجديد باهتمام واسع باعتبار الدستور الوثيقة المنوط بها توفير الأساس القانونى لقيام دولة مدنية ديمقراطية يتمتع فى ظلها المواطنون بحقوقهم وحرياتهم السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، فإذا ألقى رئيس الجمهورية بثقله خلف هذه العملية واستخدم مكانته العالية فى النظام السياسى فى دعم التحول الديمقراطى فإنه سوف يدخل تاريخ مصر من أوسع الأبواب.
الفرصة الثانية المتاحة للدكتور محمد مرسى كرئيس للبلاد تقدمها له أوضاع البلاد المتردية إلى درجة كبيرة والتى يعانى منها ملايين المصريين، سواء فيما يتصل بأوضاع المعيشة أو تردى الخدمات أو انعدام الأمن، وقد استفز هذا التردى لدى المواطنين الرغبة فى المشاركة، ولديهم استعداد حقيقى للمساهمة الفعلية فى مواجهة هذه الأوضاع، ولدى الرئيس فرصة حقيقية لتعبئة جماهيرية واسعة لمواجهة هذه الأوضاع ومساندة أجهزة الدولة فى جهودها للقضاء عليها.
أما التحديات التى يواجهها الدكتور محمد مرسى كرئيس للجمهورية فيأتى على رأسها أزمة الاقتصاد المصرى المتمثلة فى تراجع الاستثمارات والادخار القومى وتراجع خلق فرص جديدة للتشغيل، ومن ناحية أخرى هناك العجز فى ميزان المدفوعات والعجز فى الموازنة العامة مما يلقى بظلال كثيفة على قدرة الاقتصاد المصرى لتلبية احتياجات المواطنين وتراجع معدلات النمو إلى درجة لم تشهدها مصر منذ ستين عاماً، ويحتاج هذا الوضع إلى حلول غير تقليدية لا ينفع معها مشروع النهضة الذى طرحه الدكتور مرسى كبرنامج انتخابى، بل تتطلب المواجهة الفعالة لهذا المأزق الاقتصادى السير على طريق التنمية المستقلة وتعبئة وتشغيل كل الطاقات الإنتاجية المتاحة والمعطلة حالياً، والبدء بخلق فرص كبيرة للتشغيل من خلال مشروعات للبنية التحتية تضخ إلى السوق قوى شرائية كبيرة توسع استهلاك الفئات الفقيرة فى المجتمع وتوسع السوق أمام المنتجات الصناعية المصرية.
أما التحدى الثانى فهو المتمثل فى تردى الخدمات التعليمية والصحية إلى درجة غير مسبوقة، فلم تعد المدرسة تعلم ولم يعد المستشفى يعالج، ولا مفر من ثورة شاملة فى نظام التعليم ونظام للتأمين الصحى يوفر للمواطن أبسط حقوقه فى الحياة.
هذه نماذج من الفرص المتاحة للرئيس وللتحديات التى تواجهه، وعليه أن يختار أن يحكم التاريخ له أو عليه، وهى مسألة لا تتحقق فى عمر الإنسان إلا مرة واحدة.