القاعدة الذهبية التى علمنا إياها الغرب فى جامعاته عندما كنا ندرس فيها هى: «لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة وإنما المصالح وحدها هى الدائمة».
فهم الغرب ذلك ونفذه فى أرض الواقع، لكننا لم نصدق وظللنا نتعامل مع الغرب أنه الصديق الأبدى، وما زلنا نؤمن أنه يتعامل معنا من أجل سواد عيوننا!
وهذا غير صحيح، لقد دفعنا ثمن هذه السذاجة السياسية من أقواتنا وأقوات الأجيال المقبلة من أبنائنا وأحفادنا، وظلت الدول الغربية بزعامة أمريكا تعيث فى الأرض فساداً وظللنا نحن ننظر إليها بحسن نية منقطع النظير.
لكن تبقى أمريكا والغرب لا يضمران لنا كل الشر، وإلا فما معنى أن يُصرح الرئيس الأمريكى «ترامب» بأنه لا بد من معاقبة قطر، قال هذا مثنى وثلاث ورباع، ثم ابتلع لسانه بعد ذلك واختفى! وفى نفس الوقت يزور تيلرسون، وزير خارجيته، قطر ويصرح لاحقاً بأن قطر على حق فيما ذهبت إليه! حدث هذا مع «تيلرسون» لكن حدث أيضاً مع وزراء خارجية كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
الغرب يصدر لنا شعاراته مثل «حرية، إخاء، مساواة» لكن فى الواقع العملى يفعل هذا فقط مع أبنائه، أما نحن فيكفينا من طرف اللسان حلاوة!
فى أواسط تسعينات القرن الماضى كنت رئيساً للجالية المصرية فى باريس، جاءنا نبأ أن أحد المصريين المغتربين قد قتل مصرياً مغترباً آخر لخلاف حول أحد المطاعم التى يريد أن يشتريها الأول وينافسه الثانى، وفى مكتب البوليس الفرنسى تحدثت مع كبير الجنرالات الذى قال لى بدم بارد: «ما دامت حالة القتل بين أجانب (مصريين) فلا أكترث بذلك»! بمعنى أن «القاتل والمقتول من المغتربين، لكن إذا كان الأمر بين أحد المصريين (قاتل) وبين أحد الفرنسيين (مقتول) هنا فقط سنهتم كثيراً لأن الاعتداء حدث على أحد مواطنينا!».
هكذا يتصرف الغرب معنا، فإذا قلبنا فى صفحات التاريخ وجدنا أن أكبر دولتين استعماريتين هما بريطانيا وفرنسا، وقد تعلمت أمريكا منهما، يُضاف إلى ذلك الهيمنة التى يفرضها العم سام علينا.
وإذا كان لا بد أن نتحدث عن الحدود الحلزونية الموجودة بين دولنا وتسببت فى معارك طاحنة وخلافات مزمنة ننسى أنها من صنع هاتين الدولتين، كالخلاف الحدودى بين مصر والسودان، أو بين السعودية وقطر، أو بين البحرين وإيران.. وهلم جرا..
أدهشنى قبل أيام وعلى شبكات التواصل الاجتماعى أن وجدت أحدهم يُشيد بما أسماه «هيبة أمريكا»، ونسى أن هذه الهيبة المزعومة لا وجود لها إلا فى أذهاننا المريضة، فتهديدات كوريا الشمالية وإصرارها على امتلاك السلاح النووى ودخول النادى النووى عُنوة، جعل فرائص أمريكا ترتعش، فلا حديث عن هيبة أو سطوة أو هيمنة، إنها لغة السلاح.
ارتعدت أمريكا واختفى رئيسها كالعادة وبدأ تيلرسون وزملاؤه يتحدثون حديث الدبلوماسية لأن أحداً لا يريد نشوب حرب بين أمريكا وكوريا الشمالية، فأمريكا ببساطة شديدة لا تريد أن تكون طرفاً فى أى حرب، حسبها أن تشاهد حروب العرب أو نشوب حرب فى شبه جزيرة العرب، ثم تدين وتشجب وتمارس هواية الشجب لكن ما دامت الحرب إياها بعيدة عنها فلا بأس.
متى سنفهم أن كل الخراب الذى يأتينا والدمار الذى يملأ جيوبنا جاء ويأتى من أمريكا؟ ثم نظن خطأ أنها لا تريد لنا إلا كل الخير ونملأ جيوبها بالهدايا وحساباتها بالأرقام المالية غير المسبوقة، وزيارة رئيس أمريكا وأسرته إلى المنطقة العربية هى أكبر دليل على ذلك!
أخشى أن تُفهم يوماً هذه الحقائق ولكن بعد فوات الأوان!
وفى غمرة حماسنا لأمريكا والغرب ننسى تصريحات السيد ترامب التى أطلقها قبل نحو ثلاثين عاماً وكانت تقطر حقداً على دول الخليج وأموالها ونفطها.
لقد فَرح من فرح وقال إن الرئيس الأمريكى ترامب قد وافق على أن يكون وسيطاً بين قطر ودول الخليج لحل الأزمة التى اشتعلت بين الجانبين، ونسى أو لعله تناسى أن الدولة الراعية للسلام والتى تقوم بدور الوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين هى أمريكا، ورغم ذلك فالقضية الفلسطينية لا تزال مشتعلة رغم أن وساطة رئيس أمريكا سواء كان جورج بوش الأب أو جورج بوش الابن أو أوباما أو حتى ترامب، لم تشفع لحل القضية.
سؤالى الآن: لماذا إذاً الاغتباط والفرح أن ترامب سيكون وسيطاً بين قطر ودول الخليج؟
نحن يا قوم، ولنقلها بصراحة، لا نفهم سياسة أو نفهمها عكس ما يفهمها الغرب بنفسه، وقديماً سألوا عملاق الفكر العربى عباس محمود العقاد هذا السؤال، فكانت إجابته: «لأن الغرب يطلب من الحياة غير ما نطلب، فإذا اختلفت الغايات اختلفت الوسائل أيضاً».
يا قوم أمريكا لن تكون صديقة لنا، فكونداليزا رايس عندما كانت وزيرة خارجية لأمريكا قالت فى تصريح رنان إن «الصديق الاستراتيجى الوحيد فى منطقة الشرق الأوسط هو إسرائيل فقط»، لكننا ننسى ذلك ونُغرق أمريكا بهدايانا ونرى أنها صديقنا الاستراتيجى، وهذا غير صحيح.
المتغطى بأمريكا (مستودع الشر فى العالم) عريان، لكننا نصر على عدم الفهم ونرى أنها لا تضمر لنا سوى كل الخير.
أمريكا تخطط لتدميرنا وتقسيمنا وسرقة المواد الأولية التى حبا الله بها أرضنا.
أمريكا.. ويكا.. وأرض النفاق، لكننا نصر على أن نرى فيها ما ليس فيها.. إلى متى سنظل ننظر تحت أقدامنا فقط ونستمع إلى معسول الكلام الأمريكانى؟!
فالشعر ما زال للأسف هو ديوان العرب ولقد أغرقنا الأمريكان شعراً.