يعد شهر سبتمبر من كل عام موسم تعذيب الآباء والأمهات، فمع بداية هذا الشهر تبدأ الاستعدادات للمدارس، ويبدو أن الدولة تخلت طوعاً عن دورها فى تنظيم المدارس فى مصر، فقدت المدارس الحكومية دورها وقيمتها وتحولت إلى أماكن تكدس لأولاد البسطاء الساعين لحياة أفضل وترقٍّ اجتماعى بالانتقال إلى الطبقة الوسطى أو الطبقة الأعلى من خلال التعليم، ونظراً لحالة البؤس الشديد التى أصبحت تعانى منها المدارس الحكومية هربت الطبقة الوسطى بكل تنوعاتها منها.
حاولت الدولة مد يد العون لبعض الفئات التى من المفترض أن تكون مستورة فقدمت لأولادها أنواعاً من المدارس مفترض أن تكون أفضل نسبياً مثل المدارس التجريبية التى بدأت منذ ما يقرب من عشرين عاماً، من المفترض أن تقدم تجربة نموذجية لتعليم متميز باللغة الإنجليزية ولكن يبدو أن التجربة حادت عن مسارها وتحولت إلى مدارس لتجريب الفشل وأصبحت فى أغلب الأحوال مدارس رديئة لا تعلم لا بالإنجليزية ولا بالعربية.
هذا التردى ترك الأسر المصرية رهائن المحبسين؛ إما التعليم الخاص أو ما يسمى بمدارس اللغات، أو التعليم الدولى، الذى يتبنى المناهج الدولية ويقدم شهاداتها، وهى فى الغالب مدارس استثمارية خاصة، ولكننا طورنا مفهوم المدارس الخاصة لتكون مدارس مستقلة عن الدولة المصرية لا تلتزم بالقواعد والنظم التى وضعتها وزارة التربية والتعليم لا على مستوى السياسة التعليمية أو المصروفات الدراسية.
ويعد هذا العام هو الأسوأ على الإطلاق، حيث جاء بعد أمرين، الأول زيادة سعر البنزين وبالتالى رفعت المدارس الخاصة المستقلة عن الدولة المصرية مصروفات نقل الطلاب بأوتوبيس المدرسة إلى الضعف وفى بعض المدارس ثلاثة أضعاف، دون النظر إلى أى حسابات ذات صلة بنسبة ارتفاع البنزين أو المسافة بين بيت الطالب والمدرسة التى ربما لا تتعدى كيلومتراً واحداً لبعض الطلاب الذين يضطر أهاليهم لاستخدام وسيلة نقل المدرسة لعدم قدرة أحد الأبوين على الالتزام بمواعيد دراستهم، وبالتأكيد لم تستجب المدارس لحديث المسئولين حول أن الزيادة لا تتعدى بضعة قروش فى تكلفة النقل، وطالما لا يوجد رقيب أو متابع فللمدارس الكلمة العليا وعلى الأسر الطاعة صاغرين.
أما على مستوى السياسة التعليمية فالأمر أسوأ، فقد أصبحت السنة الثالثة فى المرحلة الثانوية كاللهو الخفى يسمع عنه أولياء الأمور ويجبرون على دفع مصروفاته كاملة رغم أن المدرسة لا تقدم فصلاً ينتظم فيه الطلاب أو جدول حصص يلتزم به المدرسون، وفى أقصى تقدير نجد بعض المدارس تقدم قاعة محاضرات لمدة ساعتين أثناء اليوم الدراسى وتدعو الطلاب للحضور، عند هذا الحد ترفع المدارس يدها وترى أنها قدمت الغالى والنفيس لكن الطلاب لا يحضرون، وهنا أسأل سؤالاً مهماً وعميقاً - إذا كان ذلك كذلك، لماذا تحصل المدارس مصروفات دراسة باهظة من المفترض أنها تدفع مقابل خدمة تعليمية؟ بل إنها رفعت المصروفات بنسب كبيرة نتيجة ارتفاع الدولار دون تقديم مبرر منطقى لعلاقتها بالدولار؟
لنتفق أن الطلاب وأسرهم مذنبون ومدانون لأنهم لا يحضرون إلى المدرسة، إذن لماذا تتقاضى المدرسة قيمة أجور مدرسين لا تضع لهم جدولاً وتلزمهم بالحضور اللهم إلا أن هذه المدارس قررت أن تحاكم كل الأسر وتدينهم وتوقع عليهم عقاباً وهو غرامة تعادل قيمة المصروفات الدراسية كاملة غير منقوصة وعليها فرق الدولار عقاباً لهم على آثامهم، أو تحصل المدارس على إتاوة مقابل قيد أوراق الطالب فى السنة الثالثة من المرحلة الثانوية، أى تحولت المدارس إلى فتوات يضربون الأهالى بالنبوت للحصول على إتاوة الثانوية العامة فى جمهورية التعليم الخاص المستقل.
وللحديث بقية