"وفى المعجم دائماً الخبر اليقين".
بين صفحات المعجم الجامع وفى رحلة قصيرة تبحث فيها عن "السعادة" بين المعاني، ستجد تفسيرها أنها "فرح – ابتهاج " كل ما يدخل البهجة والفرح على النفس، وبين الكلمات القريبة المرتبطة وذات الصلة ستجد "إسعاد" وهو اسم لمصدر "أسعد" وتعريفه من يوفر لغيره السعادة وفى تعريف آخر أسعد فلاناً أى أعانه.. فقد يعينه على السعادة نفسها.
تنتهى من رحلتك القصيرة فى المعجم وتذهب فى رحلة مطولة بين المحطات الفضائية، فتقابل فيها "صاحبة السعادة"، والتى حملت نفسها مسئولية أن تكون هكذا، وهى مسئولية كبيرة وخطرة ولكنها دائماً ما تكون على قدرها وتقدم لك السعادة فى "اللا حدود" فتصبح مركز الـ "إسعاد" الرئيسى لتتحول من "إسعاد يونس" إلى "إسعاد كل من يتابعها" وتثبت فعلاً أن للأشخاص نصيب من أسمائهم.
"إسعاد يونس" حالة خاصة فهى المطربة الإذاعية الممثلة المؤلفة المنتجة الكاتبة، وأخيراً مقدمة برنامج تليفزيونى، والحالة الخاصة هنا ليست فى جمع كل هذه القدرات، ولكن النجاح المتكامل فيها، فدائماً منتجها الذى تقدمه مضمون ومطمئن فـ "زغلول العشماوى" ظل صامداً منذ عام 86 حتى هذه اللحظة واللحظات القادمة، فى نجاح تاريخى بمسلسل "بكيزة و زغلول" الذى أصبح وسيظل علامة من علامات الدراما والكوميديا ويتم "النحت" منه حتى الآن وقد تندهش عندما تعلم أنها مؤلفة المسلسل، ولكنك لن تندهش عندما تتذكر أنك أمام "إسعاد يونس".
عندما قررت "إسعاد" أن تبعث من اسمها لجمهورها اختارت أن تكون مختلفة، فمنذ بداياتها وهى متمسكة بهذا المبدأ وترفض "ركوب الموجة"، فبعد أعمال سينمائية ودرامية تمثيل وكتابة كان النضوج فى مرحلة الإنتاج، فاختارت "إسعاد" الجمهور بأعمال لها قيمة تقدم فيها صناعة حقيقية للسينما، ولم تبحث عن الرواج والتجارية لتحقيق أكبر المكاسب كمنتجة همها الأول الإيرادات التى ستعوض مصاريف الإنتاج، فقدمت المعادلة الصعبة وراهنت عليها وحققت بها نجاحات كبيرة مختومة بالـ "إسعاد"، وهذه المعادلة كان بطلها عامل الثقة الذى أضافته بينها وبين جمهورها بتقديمها "إسعادة" من إسعادها بأفلام تحترمهم فكان رد الجمهور بمزيد من الاحترام والتقدير.
ابتعدت "إسعاد" عن الإنتاج السينمائى واكتفت بالتوزيع بعد ظروف تعرضت لها البلد أثرت على السينما وجمهورها، وهى فى الحقيقة خطوة قد تعتبرها إيجابية لها كمنتجة ولكنها سلبية لجمهورها، فهى لم تعد ملكاً لنفسها فقط أو حتى لجمهورها بل لصناعة السينما ذاتها.. ربما لا تشعر هى بذلك ولكن مؤكد صناعة السينما تئن من غيابها وتناديها بعدما اختل ميزانها بسبب هذا الغياب الغير مقنع صراحة!
ولأن "إسعاد" تملك مفاتيح السعادة فقررت أن تعلنها صراحة كـ "صاحبة السعادة" فى برنامج تليفزيونى ومن الوهلة الأولى يصيبك الاستفزاز فى ظل هوجة هجوم الفنانين على الشاشة لتقديم البرامج لتجد نفسك تقولها فى حسرة "حتى إنت يا إسعاد؟!".. ماذا ستفعل وماذا تريد.. هل لهذه الدرجة أفلست مثلاً لتلحق بزملائها اللذين إنتشروا على الشاشات لـ"نحت سبوبة" تقديم البرامج؟! هل ستكون النهاية بعد هذا المشوار الطويل؟! ولكن وسط كل هذا القلق تسمع صوتاً من الأعماق يرد عليك ويرفض كل هذه التوقعات باعتبارها "إسعاد يونس"!
ولأنها "إسعاد يونس" فقد جاءت لتكسر القاعدة وتقدم لجمهورها "إسعادة" جديدة لتطل على الشاشة بكل الاختلاف شكلاً ومضموناً وتؤكد أنها "برة الصندوق" ممن سبقوها ومن سيلحقوها فـ "تُعلم" على الجميع وبدلاً من أن تقدم برنامجاً يشاهده فئات من الجمهور قد يعجب به ويشاهد غيره آخرون وتربح هى من نسبة الإعلانات إلا أنها قدمت حالة مختلفة لتتحول بعد عدد قليل من الحلقات من مجرد برنامج إلى "لمة الأسرة" حول الشاشة فى ميعاد عرض برنامجها وأحياناً "لمة عيلة" لتحقق "إسعاد" نجاحاً تظنه غيرمتوقع وبعد أن اختارت له اسم "صاحبة السعادة" منحه الجمهور لها كلقب لتخرج به تماماً من المنافسة متوَجة ولكنها محملة بقسط أكبر من المسئولية هى فى الحقيقة له.
كيف فعلتها "إسعاد يونس" وكيف نجحت بهذا الشكل هما السؤالان الأهم.. وإجابتهما واحدة.. الـ "إسعاد".. فكما يقال "الجواب باين من عنوانه" فقد اختارت أن تكون "صاحبة السعادة" وكان هدفها الأول والأخير كما هو دائماً "إسعاد" جمهورها وأنها هنا الآن فقط لتقدم له "إسعادة" جديدة من إسعادها فكان الذكاء فى اختيار شكل البرنامج "الفورمات" ومحتواه وصورته وكان لابد لكل ذلك أن يخرج مغلفاً بشكل حميمى فكان الديكور بطل الحدوتة.. فأنت تجلس فى البيت الأصيل صاحب الأبواب الكبيرة والمساحة الواسعة والتفاصيل التى يخرج منها الـ "عبق".. إنها الخلطة السحرية التى سيطرت على المشاهد وجعلته رافضاً أن تضيع منه حلقة وأن يفرط فى السعادة.
الذكاء هنا فى اختيار موضوعات الحلقات والذى لعبت فى الكثير منها على الـ "نوستاليجا" وهى الحنين إلى الماضى ففى ظل الصخب الذى نعيشه دائما نبحث بداخلنا ونفتش عن ذكرياتنا لنهرب إليها فتطوعت "إسعاد" أن تأتى بها فيصبح الهرب إلى "إسعاد" نفسها.. إلى "صاحبة السعادة".
أيضاً استطاعت أن تجعل من ضيوفها أبطالاً لحلقاتها فلم تبحث عن إضاءة جديدة لنفسها ولكنها تعاملت بمنتهى الثقة فتركت المساحات لضيوفها كباراً وصغاراً بل صنعت من ضيوف خارج بؤرة الضوء والشهرة نجوماً ... فهناك الكثير من ضيوف "صاحبة السعادة" إن تواجدوا فى برنامج آخر لن يكون هناك إغراء لمتابعتهم وقد لا يلفتون نظرك من الأساس لتحقق "صاحبة السعادة" هدفها العنقودى وهو "إسعاد" الجميع.
أن تحرك حلقات برنامج تليفزيونى اقتصاد دولة فهو أمر من الإعجاز أو الخيال وهو ما فعلته "صاحبة السعادة" فى حلقات "المنتج المصرى" والذى تسبب فى عودة الحياة لصناعات مصرية على مستويات مختلفة وعلى رأسها الغذائية لتحقق هذه الشركات ومنها شركات تملكها الدولة أرباحاً خيالية بعد موتاً إكلينيكياً أصابها عهوداً طويلة ما أعاد الثقة فى المنتج المصرى وشجع تجارب جديدة للإنتاج وتصبح الـ "إسعادة" هذه المرة لدولة بأكملها.. لمصر.
نجاح "إسعاد يونس" يجب أن يدرس أكاديمياً.. كيف تقدم وجبة إعلامية محترمة وترفيهية وشيقة وتحمل قيمة وأصالة ... كل هذا فى نفس الوقت الذى تربح منه تجارياً للدرجة التى دفعت القناة العارضة لشراء حقوق البرنامج من الشركة المنتجة فى صفقة نادرة الحدوث على الشاشات المصرية على الأقل ولن يفيدِ "نحته" ومحاولات تقليده فالأصل موجود والـ "إسعاد" لا يتكرر.
ما فعلته "إسعاد يونس" فى "صاحبة السعادة" أنها فكرت وحققت هدفها من فكرتها ببساطتها دون "فزلكة" أو إحساس النرجسية أمام اسمها وتاريخها وهو مفتاح نجاحها "الماستر كى" لتعطى درساً إعلامياً قاسياً لكل ممن يفكر فى الظهور على الشاشة ليس من زملائها من مشاهير الفن فقط ولكن للإعلاميين أنفسهم فرفضت ركوب "توكتوك" إعلام الـ "سبوبة" والـ "فرقعة" الإعلانية واستقلت أفكارها الـ "فارهة" للوصول قلوب وعقول جمهورها الذى بدأ ينتظر منها "إسعادة" جديدة فى الإنتاج الدرامى ولا تقصر فى حقه إن كانت لا تود الخسارة بالعودة للإنتاج السينمائى .
تحولت "إسعاد يونس" من مجرد شخص إلى كيان كامل يتحرك على الأرض.. كيان الـ "إسعاد" الذى يضع فى كل خطوة يخطوها "إسعادة" جديدة محفور عليها إسمها ومزين ببصمتها.. وأمام ذلك أعتقد أنه من حقها أن يعاد لها فتح "المعجم الجامع" ليضاف إليه معنى "إسعادة" ويكون شرحها.. كل جديد تقدمه "إسعاد يونس".. مرتبطاً وذات صلة بـمعنى "صاحبة السعادة".