لا أصدقهم ولو سبّحوا كل لحظة بحياة بلادى، فقد شاهدت لقاءاتهم بالإخوان وتوجههم من مطار القاهرة لمقرهم مباشرة للقاء «شاطرهم»، وتابعت كغيرى إعلانهم بأنهم ذراعهم العسكرية، وخبرت دورهم فى فتح السجون وفوضى عمت بلادى فى يناير 2011. ولكننى أدرك رؤية بلادى فى التعامل معهم كفصيل مقاوم لاحتلال فلسطين الذى هو قضية مصيرية لمصر. وأتفهّم خطواتنا فى نقض دعوى وصفهم بجماعة إرهابية فى العام 2015. نعم تلك هى معضلة «حماس» مع مصر، لا يمكن أن نأمنها، فهم تجار دين كجسدهم الإخوانى، ولا يصلح تجاهلهم، ومن هنا وجب الفهم.
لم يكن إعلان «حماس» يوم 17 سبتمبر الحالى عن حل اللجنة الإدارية -التى شكلتها كبديل عن الحكومة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة- هو بداية المشهد، ولكنه نتيجة لمحادثات بدأت منذ عام 2016 بين القاهرة و«حماس» بدءاً من ندوات مشتركة لمناقشة القضية، انتهاء بزيارة لقيادات الحركة للقاهرة فى يناير 2017 برئاسة «هنية» للقاء قادة الأجهزة الأمنية. وهو اللقاء الذى انتهى بتصريحات «هنية» بأن العلاقة مع مصر فى تحسن. كان اللقاء بسعى من «حماس» التى أدركت أن حل أزمة قطاع غزة لن يتم بتطبيع تركيا مع إسرائيل المعلن فى يونيو 2016، ولن ينتهى بتقارب قطرى إسرائيلى غير معلن رغم ضخ قطر لأموال ضخمة فى القطاع. فما زالت إسرائيل تفرض حصارها بينما مصر تتحكم فى مواعيد فتح وإغلاق معبر رفح المنفذ الوحيد الذى لا تسيطر عليه إسرائيل ومن خلاله تتعامل «حماس» مع العالم. هذا غير أزمة طاقة مستفحلة وأزمة رواتب تفرض السلطة الفلسطينية قراراً بمنعها. وكان للقاهرة مطالب واضحة تتمثل فى تسليم مطلوبين للأمن يقيمون فى غزة وإنهاء دعم ميليشيات مسلحة وكذلك تشديد الرقابة على الحدود بين رفح الفلسطينية والمصرية ووقف حفر الأنفاق. ورغم هذا الاجتماع وتصريحات «هنية» وصمت القاهرة فإن سؤالاً طُرح: «هل تستجيب حماس»؟
ربما لم نقتنع بمسيرة «حماس» الاحتفالية فى قطاع غزة مطلع أغسطس الماضى تنديداً بالإرهاب الذى تتعرض له سيناء وحصد أرواح أشجع الرجال. ولا بإجراءات «حماس» لتشديد الرقابة على الحدود مع مصر لمنع عبور الإرهاب، ولكنها كانت إجابة «حماس» على القاهرة بشكل عملى. إلا أن الرؤية المصرية لم تتوقف عند هذا الحد، إذا طالبت مصر بحضور قوى فى إدارة القطاع للقيادى السابق فى حركة فتح والمُبعَد من قبل السلطة الفلسطينية منذ العام 2007 «محمد دحلان» وهو أمر لم يكن سهلاً لـ«فتح» أو لـ«حماس». وهو ما يفسر زيارة الرئيس الفلسطينى محمد عباس لأنقرة ولقاء «أردوغان» فى نهاية أغسطس الماضى باحثاً عن طرح تركى يستبعد الحل المصرى بحكم علاقة تركيا بـ«حماس» وإسرائيل. ولكن لم تستطع تركيا تقديم أى شىء لأبومازن الذى عاد بخفىّ حُنين لتتأكد سيطرة مصر على إدارة الملف وإن أنكروا أو تجاهلوا ذلك.
ولذا جاء إعلان «حماس» بحل اللجنة الإدارية وقبول تشكيل حكومة وفاق وطنى ومناقشة إجراء انتخابات فلسطينية، وترحيب حركة فتح بما تم إعلانه تتويجاً لسياسة مصر التى لم تتوقف عند هذا الحد ولكنها سمحت لـ«حماس» بافتتاح مكتب تمثيلى لها بالقاهرة يكون تحت أعين مصر. وهى خطوات لا تعنى إنهاء الخلاف الفلسطينى ولكنها تعنى بدء خطوة على طريق تعترضه تحديات عدة أهمها إدارة الملف الأمنى لقطاع غزة، الذى ترى مصر منح إدارته لمحمد دحلان لتأمين سيناء. نعم تدير القاهرة ملفها الأمنى والسياسى والمخابراتى بين «فتح» و«حماس» ببراعة جرّاح يدرك أن براعة مشرطه وهدوء أعصابه وصبره هى عوامل نجاح التعامل مع تفشى خلايا سرطانية انتشرت فى جسد المريض. ندرك أننا لن نأمن «حماس» للأبد ولكن لا مفر من السيطرة عليها لأمن مصر. نعلم أن مصالحنا لا تعنى الفلسطينيين جميعهم ولو تغنوا بذلك، نتفهم علاقاتهم جميعاً بمن مولوا الإرهاب والفوضى فى بلادنا، ولكن لا غنى عن إدارتنا للملف بدلاً من تركه لغيرنا.