١- فى تقرير أثار حوله الكثير من الجدل.. ذكر المركز المصرى للحق فى الدواء أن عدد نواقص الأدوية فى السوق المصرية قد بلغ ألفاً وثلاثمائة «صنف»!! بينما كذب السيد وزير الصحة ذلك الرقم وهو يعلن «بفخر».. أن الرقم لا يتجاوز الخمس والعشرين «مادة فعالة»!!
الرد كان تاريخياً حقاً.. ويحمل من الذكاء والطرافة ما يجعلنى أرفع القبعة لسيادة الوزير.. «فالمادة الفعالة» تختلف جذرياً عن «الصنف» الدوائى.. أى طبيب حديث التخرج يعرف ذلك جيداً.. إلا أن التصريح جيد فى شكله العام.. ويمكن استخدامه للدفاع عن النفس.. مستغلاً جهل المواطن بالفرق بينهما!!
من الجيد أنه رد على الهيئة، قبل أن يتهمها بانعدام الشكل القانونى ويرفض الاعتراف بها.. ولكن بعض الردود تصبح أقبح من الصمت!!
٢- فى تأمل دقيق للعلاقة بين السيد وزير الصحة الحالى وملف الدواء بأكمله والعاملين به.. ربما سنجد الكثير من الطرائف التى يمكن تسجيلها.. والأكثر من المعارك التى لا أعرف لها سبباً.. قبل أن نعرف لها فائدة!!
لقد حرص سيادة الوزير منذ أن تولى منصبه أن يفتعل الكثير من الصدامات غير المطلوبة مع أركان منظومة الدواء.. فكانت معركته الشهيرة مع نقابة الصيادلة أكبر مثال لها.. وتلتها الكثير من النزاعات وتراشق التصريحات بينهم.. واتهاماته للصيادلة بالتربح والإضرار المتعمد بالمريض.. بل وامتد الأمر لصدام مع الشركة المصرية لتجارة الأدوية.. المؤسسة الحكومية الأولى للأدوية فى مصر!!
الصورة تبدو وكأنه يخوض معارك مرتبة ضد أشخاص بأعينهم.. معارك يستمتع بها شخصياً دون النظر إلى كيانات.. ودون الأخذ فى الاعتبار أن هناك مريضاً يدفع الثمن فى النهاية!!
٣- يعانى قطاع الدواء فى هذا الوادى الطيب منذ عقود.. وتعانى الشركات الوطنية من إهمال وترهل إدارى وفنى.. أدى إلى أن إنتاجها قد انخفض لأكثر من ١٠٪ من قدرتها الفعلية طبقاً لتقارير الوزارة نفسها.. وتحولت صناعة الدواء المصرية من مصدر للعملة الصعبة إلى عبء ثقيل على الوزارة.. التى تركت الساحة لشركات القطاع الخاص لتتلاعب بالأسواق كيفما تشاء!!
الأمر قد بدا واضحاً فى أزمات تسعير الأدوية التى ضربت السوق المصرية خلال العام الماضى.. والتى جعلت سيادة الوزير يتراجع عن تصريحاته ووعوده بعدم زيادة الأسعار.. ليرضخ فى النهاية ويقبل بالزيادة التى حددتها تلك الشركات فى موقف محرج له وللوزارة.. بل وللحكومة كلها!!
الأمر يبدو وكأن سيادة الوزير قد استمتع بالمعركة معهم.. قبل أن يعلن عن ملله من الصراع وينسحب تاركاً الساحة لهم ليحققوا كل ما يريدون من جيوب المواطنين!!
٤- اعتراف كارثى من وزارة الصحة أن هناك أكثر من خمس وعشرين مادة فعالة غير موجودة بالسوق المصرية.. كارثى لأنه يعنى أن الرقم الذى أعلنته مؤسسة الحق فى الدواء صحيح إلى حد كبير.. فالمادة الفعالة الواحدة يتم إنتاجها فى الأسواق بأكثر من خمسين اسماً تجارياً.. وهذا يعنى أن أكثر من ألف صنف دوائى غير موجود بالأسواق بالفعل!!
لا أعتقد أن هناك تذبذباً فى سعر الصرف فى هذه الأيام ليبرر نقص هذه المواد... أو أن دولة بحجم مصر يمكن أن تقبل أن يتعامل مرضاها بمبدأ «المتاح» من المواد الفعالة لتؤدى الغرض!
يمكنك الآن بحسبة بسيطة أن تدرك عدد المرضى الذين يبحثون عن أدويتهم المزمنة فلا يجدونها.. بل وعدد الذين اضطروا للتعامل مع السوق السوداء للحصول على دواء حيوى بالنسبة لهم بأسعار خيالية!!
من يتحمل المسئولية عن هذا التخبط؟ من يحمل ذنب تدمير سوق الدواء فى مصر بأكملها؟!
٥- يحاول سيادة الوزير -كالعادة- أن يغالط فى تصريحاته بأن يذكر رقماً لا يثير الفزع.. ولكنه يفشل فى إقناع من يعرفون الفارق بين الأمرين.. كل هذا قبل أن يحاول إدارة دفة المعركة -كالعادة- إلى أرض جديدة.. فيرفض الاعتراف بمؤسسة الحق فى الدواء التى تتم دعوتها داخل أروقة مجلس النواب نفسه للمشاركة بالرأى فى تسعير الأدوية.. والتى لا أعتقد أنها تنتظر اعتراف السيد الوزير بوجودها من الأساس!!
الأسئلة التى تدور فى الأذهان الآن: إلى متى ستظل أزمات نقص الدواء تضرب الأمن القومى المصرى كل فترة؟ وإلى متى سيظل سيادة الوزير يستمتع بمعاركه التى لا طائل من ورائها.. دون أن يبحث عن حل.. أو على الأقل يعترف بالمشكلة كخطوة أولى.. ويترك غيره حتى ليبحث عن الحل!!
إلى متى سيظل سيادته منشغلاً بمعاركه عن دوره الأساسى فى هذا الوطن؟!