المواطن فى مصر حائر بين تصريحات وزراء الحكومة وردود فعل التجار.. وقد زاد الضغط على أفراد كل طبقات وفئات المجتمع نتيجة الارتفاع الضخم وغير المبرر فى كل السلع والخدمات الأساسية، التى لا غنى عنها فى الحياة اليومية للمواطنين، وعلى عكس نظرية «العرض والطلب» التى يفترض أن تضبط أسعار السلع والخدمات للسوق فى المجتمعات الرأسمالية فإنه فى حالة السوق المصرية وطوال العام الماضى ما زالت الأسعار ترتفع على الرغم من تراجع معدلات الطلب على السلعة ذاتها!! وتراجع سعر الصرف للعملات الأجنبية!! والأغرب أننا نسمع مر الشكوى من التجار نتيجة انصراف المواطنين عن الشراء بالكميات التى اعتادوا عليها سابقاً.. وقطاعات من المستهلكين توقفوا أو كادوا عن شراء سلع معينة نتيجة الارتفاع الجنونى لأسعارها ومع ذلك لا يقوم التاجر بتخفيض السعر وينظر إلى حالة الركود وكأنها لا تعنيه!!
نسمع فى الأسواق عن تراجع معدلات استهلاك اللحوم والدواجن والأسماك والخضراوات لارتفاع أسعارها عن قدرات الدخل للمواطن.. وتسجل كاميرات التلفاز شكاوى الجزارين والسماكين والخضرية وبعضهم خفض ساعات عمله الأسبوعية إلى النصف نتيجة قلة الطلب ولا نرى منهم تخفيضاً للأسعار.. بل الأعجب أن الأسواق الشعبية شهدت مؤخراً ويومياً ظاهرة أكوام الخضار والفاكهة المعطوبة، التى لا تصلح للبيع نتيجة مرور أيام على عرضها دون أن تباع فيلقيها التاجر فى القمامة ولا يفكر فى تخفيض سعرها ليبيعها ويستفيد منها.. وتسأل لماذا فيردون بنفس العبارة العجيبة «نصيبنا كده.. ولا نستطيع تخفيض السعر وإلا غضب التاجر الكبير ومنع عنا البضاعة»، وعلى الجانب الآخر نرى الحكومة تعدنا بتخفيض الأسعار بل وتحدد مواعيد لذلك.. قالوا ستنخفض الأسعار فى نهاية العام الماضى ثم قالوا خلال ستة أشهر من العام الحالى ثم قالوا فى نهاية العام الحالى.. وفى شريط الأخبار على معظم القنوات التليفزيونية أرقام تليفونية للإبلاغ عن الاستغلال التجارى والتلاعب بالأسعار ولم نر نتيجة واضحة للجهود الحكومية بل يخرج علينا مسئولو التموين وبعض الجهلة ممن يدعون أنهم خبراء اقتصاديون ليصدمونا بأن لا أحد ولا جهة تستطيع ضبط أسعار السوق!! وذلك بالمخالفة العلنية لكل النظم الاقتصادية الرأسمالية فى العالم، التى تضبط الحكومة فيها أسعار السوق بطرق متعددة تحمى التاجر والمستهلك والاستقرار الاجتماعى!!!
وتبدو السوق المصرية فى حالة صراع بين جهات بعينها تتطاحن لكامل السيطرة على السوق باستخدام أساليب الاحتكار والتلاعب بالإجراءات وسحق المنافسين وتطفيش صغار التجار، وكل جهة وتجمع للتجار يريد البقاء والمكسب والتحكم فى السوق، وليذهب المستهلكون إلى الجحيم.. وتبدو الحكومة هنا أشبه بمراقب الخط المتردد فى مباراة كرة القدم يتابع ويجرى رايح جاى ولا يرفع الراية ضد أحد.. بل أحياناً تدخل الحكومة طرفاً فى المزاد اليومى لزيادة الأسعار فترفع أسعار الخدمات مثل تذاكر المترو والمواصلات العامة والكهرباء والمياه ورسوم التراخيص للسيارات وغيرها.
إن حالة القبول الشعبى للإصلاح الاقتصادى التى تساهم كل فئات المجتمع فيها على أمل الوصول للأفضل لا تعنى أن نترك السوق فى حالة من الفوضى التى تتزايد معها الأسعار بلا سبب أو منطق أو أساس اقتصادى.. كما لا تعنى أن يصبح المواطنون حقل تجارب للضغوط الاقتصادية المتزايدة وما ينتج عنها من أمراض اجتماعية نراها الآن فى تزايد معدلات الطلاق والجرائم الناتجة عن الجوع والعوز مع تزايد معدلات الاكتئاب التشاؤمى تجاه المستقبل والصراعات اليومية التى تشهدها الأسرة نتيجة «مفيش فلوس والأسعار زادت ولا نعرف ماذا سيحدث غداً».
إن السادة الأفاضل الذى وضعوا خطط الإصلاح الاقتصادى يجب أن يسارعوا بتقييم النتائج الاقتصادية والاجتماعية لخططهم التى نرى نجاحها فى أرقام ومعدلات ورقية فى التصدير والاستيراد وأرصدة البنك المركزى والاحتياطى النقدى وغيرها.. ولكن الواقع اليومى لكل المواطنين يسير فى اتجاه آخر.. وأخشى ما أخشاه أن تزداد الفجوة بين الأهداف الرقمية والمشاكل الاجتماعية ويصبح الصبر على الأزمة سبباً فى تفاقم أوضاع لا يريدها أحد للوطن والشعب.. حذار يا سادة.. والله غالب.