عاد مجلس الشعب إلى الانعقاد والكل «اتراضى».. المحكمة الدستورية العليا «اتراضت» لأن أى قانون أو تشريع سوف يصدر عن مجلس الشعب باطل بحكم بطلان المجلس. والمجلس العسكرى «اتراضى» باستمرار سلطة التشريع بين يدى أعضائه، والرئيس «اتراضى» بعدما ظهر أمام الرأى العام المصرى كقائد قادر على خوض التحديات ومواجهة المجلس العسكرى، وأعضاء مجلس الشعب «اتراضوا» بعدما عادوا من جديد إلى ارتداء «البدل» (بكسر الباء) التى تيبست على الشماعات، وقبض المرتبات و«البدل» (بفتح الباء) وعودة السيارات والتليفونات وخلافه، الكل خرج من هذه الموقف «متراضى» تماماً، طيب كان ليه «الأزعرينة» دى من الأصل؟ ذلك ما يحير أبناء هذا الشعب الطيب!
فأكثر ما يشغل الناس الآن، هو تلك الدعوة التى توجهها السلطة بكافة أطرافها إليهم لـ«الاستنتاج»، وليس «الإنتاج» كما كانت تتاجر عليه دائماً، فبدلاً من أن ينتج، أصبح مطلوباً من كل مصرى أن يستنتج الهدف أو الحكمة التى تقف وراء قرار عودة مجلس الشعب الذى ظن البعض أنه سوف يشعل جذوة الصدام بين الإخوان والمجلس العسكرى وإذا به يفاجأ أنه مجرد تمثيلية «تسلينا» بها السلطة السياسية قبل قدوم الشهر الفضيل، ربما يستنتج البعض غير ذلك ويقول إنها الديمقراطية التى قفزنا فى طريقها بهذه الوثبة «المباركة» مائة عام إلى الأمام، يشهد على ذلك أن كل الأطراف عبرت عن رأيها ودافعت عن نفسها وقالت «اللى فى نفسها»، الرئيس اجتمع مع مستشاريه وقرر، والمجلس العسكرى اجتمع وعلّق، والمحكمة الدستورية اجتمعت وأصدرت بيانا، ومجلس الشعب «اتلم» شمله من جديد وانعقد.
تلك هى الديمقراطية بعينها، وشحمها ولحمها، وحقّ للمصريين «المفخرة» بأنهم أنجزوا فى أسابيع ما يعجز غيرهم -من خلق الله- عن إنجازه فى عشرات الأعوام، نعيش ليلنا فى «سمر ديمقراطى»، ونحيا نهارنا فى متابعة موقف كل طرف من أطراف «العملية الديمقراطية»، ليس مهما بعد ذلك أن تظل أكوام القمامة فى كل حدب وصوب، وأن يتواصل مسلسل التكدس المرورى فى الشوارع، وأن تستمر طوابير العيش والسولار والبنزين، ليس من المهم أن تستمر هذه المشكلات وغيرها مما قرر «الرئيس» التعامل معه خلال الليالى المائة الأولى من ليالى حكمه طالما أصبحنا نعيش هذه الحالة من الديمقراطية التى يعبر فيها كل طرف عن نفسه بالصورة التى ترضيه، يكفى أن لدينا كل يوم موضوعاً أو قضية نعيش معها المعنى الحقيقى لعبارة «سمار الليالى» التى كان يتغنى بها الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب بزيادة علينا حالة النشوة «الديمقراطية» التى أصبحنا نغرق فيها، فهى كفيلة بأن تنسينا أوجاع الوقود والمرور والزبالة ورغيف العيش والأمن.. ديمقراطيتك معاك.. ودخانك معاك.. عايز إيه تانى يا طماع؟