فى خمسينات القرن الماضى انطلق صوت محمد قنديل بواحدة من أجمل الأغانى الشعبية المصرية فى غزل صريح لأصحاب الشامات التى كانت تعتبر من علامات الجمال بين الفتيات والنساء فى تلك المرحلة، حتى إنهن اعتدن رسمها بالقلم الأسود لمن لا تملكها كنوع من التجميل فى زمن لم يعرف البوتكس والفيلر. وبمرور الزمن والتغيرات العالمية والمناخية والعلمية، ومن قبلها التغيرات الأخلاقية والاكتشافات العلمية، تحطمت أسطورة الجمال التى كتب من أجلها المؤلف عبدالله أحمد عبدالله الأغنية ولحنها أمين عبدالحميد (الحلو أبوشامة على جبينه قال إيه قال محناش عاجبينه) وأصبحت إحدى علامات أخطر أمراض العصر (السرطان).
فقد أثبتت الأبحاث الطبية أن الشامة هى مجموعة من الخلايا الصبغية التى تبرز على سطح الجلد. وأنها فى حد ذاتها ليست خطيرة، إلا أن (الميلانوما)، وهو نوع من سرطان الجلد يظهر أحياناً كشامة بسيطة، وبالتالى فالكشف المبكر قد ينقذ حياة المريض. وتؤكد الدراسات أن الشامة هى عبارة عن تكاثر خلايا تنتج عن أصباغ عندما تتشكل فى مجموعات تتسبب فى انتفاخ فى الجلد وهو ما يطلق عليه اسم (الوحمة) وتتكون غالباً أى شامة بسبب وجود عنصر وراثى. وبصرف النظر عما إذا كان لدى الشخص استعداد وراثى لتكوين الشامات من عدمه فإن هناك مكوناً آخر بيئياً ويرتبط بالتعرض للشمس أوقاتاً طويلة.
ويؤكد الأطباء أن الشامة هى ورم حميد وشائع وأنه لا داعى للقلق منه حيث يمكن لطبيب الأمراض الجلدية أن يشخصه بواسطة جهاز يسمى (Derma Toscopr) حيث يحتوى هذا الجهاز على عدسة تكبر ١٠ مرات ووفقاً لشكل ومبنى الشامة تظهر خصائصها، وإذا اشتبه فيها الأطباء يتم مراقبتها طبياً. ومن خلال مراقبتها والحالات التى تم اكتشافها فإن الشامة أو الوحمة ذات المبنى غير المتناظر تكون مشبوهة علمياً أكثر من ذات المبنى المستدير وكذلك التى يتغير شكلها لوناً وحجماً أو تنزف حيث تثير الشكوك، ومن ضمن العلامات التى يهتم بها الأطباء لون الشامة لأن اللون يتحدد طبقاً لكمية الخلايا الصبغية الموجودة فيها فهناك الأسود الفاتح والغامق، كما أنها قد تحتوى على شعيرات غامقة اللون أيضاً، وهناك أشخاص يستمر ظهور الشامات فى أجسادهم حتى سن العشرين وتتوقف بعد ذلك إلا أن البعض تتأثر أجسادهم بتغيرات الهرمونات خلال مرحلة البلوغ أو عند استخدام حبوب منع الحمل للمرأة.
ومن الطريف والمعتقدات الشعبية المصرية أن المرأة الحامل إذا لم تأكل الطعام الذى اشتاقت إليه فى بداية فترة حملها (الوحم) فإن هذا الطعام يظهر على جسد المولود فى صورة وحمة وهى ما يطلق عليها الأطباء الشامة الخلقية التى تظهر عند الولادة وهى الأكثر شهرة وغالباً تكون آمنة. وقديماً كانت الشامة تسمى (حبة الخال)، خاصة تلك التى تظهر على أحد الخدين، كما كانوا يطلقون عليها الهالة لجمالها، وغالباً يكون لونها بنياً فاتحاً أو أحمر. وقد حصلت صاحبة الشامة أو حبة الخال على نصيب وافر من الغزل فى الأغانى وقصائد الشعراء؛ فهناك قصيدة (يا شامة الدنيا) لنزار قبانى الذى ناجى حبيبته فقال لها (لماذا لم تحدثينى عن الشامة)، كما غنى لها المطربون فى العديد من الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان فكانت رائعة مهند عدنان (أبوشامة)، وجمعة العتاد (أنا وياك يابوشامة)، وراغب علامة (يا حلوة يا أم الخال يا أحلى صبية). وقد اشتهرت جميلة الجميلات ليلى فوزى، وكذلك ملكة الإغراء مارلين مونرو، بالشامة على الخد، أما عارضة الأزياء العالمية سيندى كروفرد فلها شامة مميزة تعلو الشفاه، وعلى العكس تماماً من جميلات حبة الخال اضطر الفنان عمر الشريف لإزالتها من وجهه ليدخل السينما العالمية حيث اعتبرها وقتها المخرجون علامة من علامات الشرقيين ولا يصلح صاحبها لأدوار غربية.
وللشامة حديث آخر ففى علم الفراسة والتنجيم يعتقد أنها دليل على الحياة السعيدة إذا وجدت على الخد الأيمن أو الناحية اليمنى بصفة خاصة، والعكس صحيح، أما إذا كانت على الجبهة دلت على الشهرة، وبالقرب من الفم تعنى الجاذبية، أما على الأنف فهى مؤشر لثروة كبيرة، وفى منتصف الجبهة دليل العافية والثروة والسعادة وحب السيطرة، أما إذا جاءت أسفل الحاجب فمعناها أن صاحبتها رومانسية، وعلى الذقن هى علامة لحب الخير ومميزات يحسدون عليها أصحابها، والشامة على الرقبة يقول علم الفراسة إنها دليل الحظ السعيد وفرص التقدم والنجاح، وعلى طرف العين تدل على الموهبة، أما الشامة النادرة فهى تلك التى تظهر على أى من الأذنين وهى مجلبة للحظ والمال ونادرة جداً. والطريف أنهم يقولون إنها إن ظهرت للشاب على كاحله يكون ورعاً، أما على كاحل الفتاة فتكون مؤشراً على مرحها وكرمها. وبالنسبة لصاحب الشامة على اليد فهى دليل على كرمه وعطائه للجميع، وإن جاءت على القدم كانت دليل الأفكار الجريئة، أما على الأكتاف فتعنى عدم الاستقرار وأوقاتاً صعبة.
وفى القرن الثامن عشر كانت الفتاة الصغيرة ترسم الشامة على الشفة العليا طلباً للزواج، أما إن وضعتها على خدها الأيمن فكان ذلك يعنى أنها مرتبطة ولا يصح النظر لها، وعلى العكس كانت الأرامل ترسمها على الخد الأيسر طلباً للزواج مرة أخرى.
أما الشامة فى القاموس العربى فهى جمع شامات، ومعناها إضفاء الجمال واللطف، ويقولون (كأنهم شامة الناس، أى ظاهرون للعين من حسنهم). وأعتقد أنكم أحبائى من ضمن هؤلاء (شامة الناس).. دامت لى محبتكم.