حديقة الجيران أكثر اخضراراً من حديقتنا، و«الشيخ البعيد سره باتع»، ولذلك يمجد الكثيرون فى مصر أى منتدى إعلامى عربى، أو أى مهرجان سينمائى إقليمى، أو أى حدث غير مصرى على أى مستوى، بينما الفعاليات المصرية بأنواعها يُنظر لها بنظرة شك وريبة، وعلى رأسها مؤتمرات الشباب، التى بدأت كتجمعات حسنة النية كثيرة الأخطاء، وتحولت مع الوقت، عبر المحاولة والخطأ، إلى وسيلة اتصال فعالة ومنصة تواصل مهمة بين القيادات والشخصيات العامة وأفراد الشعب.. والخطأ وارد بالطبع، ولكن الفخر بتجربة مصرية يجب ألا يكون مستبعداً أيضاً.
خلال السنوات الماضية كانت الدولة خائفة من خطر فئة الشباب، بعدها انتقلنا إلى حالة عامة من مغازلة ومهادنة تلك الفئة، ووصلنا الآن إلى بدايات النظر لهم كفرصة، وهذا تطور كبير فى اتجاه صحيح، وهو لا ينسينا أن المؤشرات على أرض الواقع تفيد بأن مصر تحتل الآن المركز 138 من بين 183 دولة على مؤشر تنمية الشباب (تراجعت 52 مركزاً خلال ثلاث سنوات)، وهذا أدعى أن نُشجع محاولات الارتقاء لا أن نهاجمها.
المؤتمرات، بأنواعها، ليست وسيلة إصلاح وليست غاية فى ذاتها، ولكنها مجرد مقاربة للتواصل، ونقطة نظام، وفرصة لرفع الروح المعنوية، وإعلان تماسك الدولة، وبالتالى لا يجب تحميلها أكثر مما يجب، ولا رابط بينها مع أى إجراءات أخرى مثل: تمويل مشاريع الشباب وبناء الوحدات السكنية، وهى أمور جيدة لكن يعيبها عدم إمكانية تعميمها لغياب الإمكانات، وعدم وجود نظام عام مُحكم ومعايير محددة وأولويات منضبطة.
مؤتمرات الشباب فعالية لا يمكن فيها، منطقياً، دعوة عشرات الملايين من الشباب المصرى لحضورها، لكن الفكرة فى وجود ممثلين عن الفئات المختلفة.. وهنا يظهر أحد عيوب التجربة، ويتم تصحيحه الآن بالتدريج، وهو الاعتماد بشكل كبير على فئة واحدة من الشباب، وهم أعضاء البرنامج الرئاسى، وبهم نماذج مشرقة وواعدة، ولكن هذا يعزل باقى الفئات، ويسبب لها قدراً من الإحباط، وبما يصور لبعض عناصر البرنامج بأنهم فوق الجميع، فينعكس ذلك على تعاملاتهم التى بدأت تضايق البعض.. هم فى تقديرى، وقد سعدت بالتدريس لهم، يحتاجون لدراسة مواد السلوك، وهو نفس ما يحتاجه طلبة كليات الشرطة، وذلك لعدم إحراج النظام السياسى.. وعموماً هذا يحتاج لمقال آخر.
تطور مؤتمر الشباب المصرى ليصل إلى الآن لمحطة «منتدى شباب العالم»، الذى سيُقام فى مدينة شرم الشيخ من 4 إلى 10 نوفمبر المقبل، الذى يقوم على أربعة محاور: أولها، محور القضايا الشبابية العالمية، ويتضمن قضايا الإرهاب، والتنمية، والتغير المناخى، وقضايا الهجرة واللجوء، وحفظ السلام فى مناطق الصراع... المحور الثانى هو محور التنمية المستدامة والتكنولوجيا وريادة الأعمال، ويتم من خلاله التعرف على رؤى الشباب لتحقيق التنمية المستدامة حول العالم مع استعراض التجارب الدولية الناجحة.. وكذلك مناقشة تأثير التكنولوجيا على واقع الشباب.. المحور الثالث يختص بالحضارات وبالثقافات، وبه موضوعات فنية وأدبية تتعلق بالهوية الثقافية، مع طرح فكرة تكامل الحضارات والثقافات، والاستفادة من التنوع والاختلاف. وكيفية إصلاح القوى الناعمة لما أفسدته الصراعات والحروب.. والمحور الرابع عن صناعة قادة المستقبل، ويتم فيه استعراض التجارب الدولية البارزة فى تأهيل وتدريب الشباب.. كل هذا بالإضافة إلى نموذج لمحاكاة مجلس الأمن الدولى، عبر 60 شاباً من مختلف دول العالم.. «منتدى شباب العالم» تجربة جيدة نأمل فى نجاحها وتكرارها وتطورها.