حين نجد أن شخصاً ما بلا عمل أو فائدة، فإننا على سبيل السخرية نستدعى من الأفلام المصرية القديمة أحد تساؤلين؛ الأول لمارى منيب فى مسرحية «إلا خمسة»، والثانى لرياض القصبجى فى فيلم «إسماعيل يس فى الأسطول». تستفسر «مارى» قائلة: «انتِ جاية تشتغلى إيه؟!».. أما «رياض»، فيتساءل: «شغلتك على المدفع بورورم؟».
يُكتب هذا المقال قبل إعلان نتيجة انتخابات مدير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو»، التى غالباً لن تفوز بها المرشحة المصرية السفيرة مشيرة خطاب. لأسباب كثيرة لا مجال لها الآن.. لكن الواقعة نفسها مدخل جيد للحديث عن الهيئة العامة للاستعلامات التى نوجه لها تساؤلات «مارى» واستفهامات «رياض».
من المفترض أن الهيئة العامة للاستعلامات هى جهاز العلاقات العامة للدولة المصرية، وإحدى مؤسسات صناعة القوة الإعلامية لمصر.. وهى تضم بالفعل عدداً كبيراً من خبراء الإعلام والعلوم السياسية والترجمة وغيرها.
مهمة الهيئة هى رسم صورة مصر وتعزيزها وصيانتها وإدامتها، عبر تقديم الحقائق عن الدولة المصرية للداخل والخارج، علاوة على معرفة وتحليل اتجاهات الرأى العام العالمى والمحلى.. كل هذا مع تقديم المعلومات لصانع القرار فى عدد كبير من الصور والإصدارات المنشورة.. وإصدار نشرات الرصد لكل ما يُقال عن مصر فى وسائل الإعلام الدولية، وتسهيل عمل المراسلين الأجانب.
داخلياً، لدى الهيئة نحو 100 من مجمعات الإعلام الداخلى، فى كل محافظات مصر، التى من المفترض أن تسهم فى تشكيل الرأى العام الداخلى.. وخارجياً، تمتلك الهيئة مكاتب إعلامية كان عددها قرابة الخمسين مكتباً، منذ عشرين عاماً.. والآن تم غلق معظمها.. وبالمناسبة فإن معظم هذه المكاتب هى هدر للأموال، ومن الأفضل، فى تقديرى، أن يتم إغلاقها بالكامل، عدا مكاتب واشنطن وباريس ولندن فقط لا غير.. والطريف أننا أغلقنا مكتب واشنطن، أهم عواصم العالم! ونرجو أن يُسلم لنا أى شخص على السيدة «ميشيل دَن»، ابنة معهد «كارنيجى»، التى أخذت مصر غسيل وكى، بكلام ساذج وضحل مردود عليه، فى جلسة استماع بالكونجرس فى أبريل الماضى، دون أن يتصدى لها أحد، أو يرد عليها بأى طريقة غير «عيب يا بنت دى مصر أم الدنيا»، أو أسلوب «انتوا كمان وحشين وأشرار». (وهذه ليست مهمة الهيئة العامة وحدها بالطبع).
جُرفت الهيئة لفترة طويلة، منها عقد من الزمن، تم فيه ندب ستة سفراء من وزارة الخارجية على التوالى لرئاستها، باعتبارها «استراحة» للعبور إلى أماكن أفضل.. وهذا خطأ تشغيل شائع عندنا، فلا علاقة للسادة السفراء بالهيئة أصلاً، كما أنه لا علاقة لرجال البنوك برئاسة البنك المركزى الذى يحتاج لرجال اقتصاد، والفرق بينهما كبير.
بعد رحيل السادة السفراء عن الهيئة بقى سؤال مهم: ما عملية التطوير، أو دراسة عملية التطوير، التى تمت؟ الإجابة لا توجد، كما غابت أى رؤية أو مشروع للتطوير المؤسسى.
فى موقعة اليونيسكو الأخيرة، كمثال لدراسة حالة: ما الذى فعلته الهيئة العامة للاستعلامات تحديداً؟ ولا نقصد الأفكار الإبداعية، لا سمح الله، ولكن: ما المنتجات الإعلامية التى صدرت عن الهيئة لدعم مصر فى معركة «اليونيسكو» خلال الفترة السابقة؟ وما النشاطات الإعلامية التى تمت مع المراسلين الأجانب مثلاً؟ والذين يعيشون على بُعد كيلومترات من الهيئة نفسها! ولا يحتاجون لأكثر من الاتصال بهم لتجميعهم والجلوس معهم! الهيئة العامة للاستعلامات كيان مهم، لكنه يحتاج للاستماع إلى الهيئة العامة للاستفهامات لأصحابها: مارى منيب، ورياض القصبجى.