كنت قد تحدثت فى مقالى السابق عن يوم 28 أيلول عبر بعض الأحداث الشخصية (الحديثة)، والأخرى العامة (التاريخية)، حيث استوقفنى أن يوم 28 سبتمبر (أو أيلول) 1961م هو للأسف ذكرى إنهاء الوحدة بين مصر وسوريا، كما أن يوم 28 سبتمبر 1970م أيضاً هو ذكرى وفاة الزعيم والقائد جمال عبدالناصر، وأحببت بمناسبة هذا اليوم أن أسلط بعضاً من الضوء على مشهد خاص بكل ذكرى منهما على حدة.. واليوم أستكمل معكم المشهد الثانى والخاص بذكرى وفاة الزعيم عبدالناصر.
ودعونا نتفق فى البداية على هذه الحقيقة، وهى أننى لا أكتب تلك الكلمات للدفاع عن «عبدالناصر» الإنسان والقائد أو تجربته الثورية، فكل إنسان بتجربته، له ما له وعليه ما عليه، كما أننى لا أرمى كذلك للرد على الأصوات التى تحيل كل مشكلات مصر الحالية إلى السياسات الداخلية أو الخارجية، التى اتبعها «ناصر».
لكن ربما كان هدفى الأساسى هنا هو التذكير، إيماناً بقول المولى عزّ وجلّ «وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين»، ومن ثم الإشارة إلى أهمية الوعى بتعظيم مكاسب الماضى، وفى الوقت نفسه دراسة أخطائه، حتى نتجنّبها ولا نُكررها فى الحاضر والمستقبل، حيث ألاحظ دائماً أن علينا ذلك، لكننا لا نفعله، فقد اعتدنا تجنب الموضوعيّة فى مناقشة الأمور بصفة عامة، وبصفة خاصة تجدنا فى تلك الذكرى تحديداً منقسمين إلى فريقين: أحدهما يدافع عن رأيه القائل إن تجربة «عبدالناصر» لم تكن إلا تجربة سجون ومعتقلات وطمس للوعى وإهدار لإنسانية الإنسان، والآخر يرى أن تلك التجربة كانت نموذجاً فى الطريق الأمثل للتحرر والتقدم والوحدة القومية، سواء فى العالم العربى أو فى بلدان العالم الثالث، وكلا الرأيين -على تناقضهما- ينتهيان إلى نتيجة واحدة، وهى طمس الوعى الصحيح وإشاعة التصورات الزائفة، فى حين أن تلك تجربة ربما يجدر بى أن أصفها بأنها كانت «غنية فى إيجابياتها وسلبياتها».
والآن تعالوا بنا نرصد ذلك المشهد فى مجال الصناعة فى عهد «عبدالناصر»:
فعندما نُحلل تركيب مجالس إدارات الشركات الصناعية عام 1947م مثلاً، نجد أن 960 شخصاً يسيطرون على الوظائف الأساسية، منهم 265 مصرياً، وكان بنك «بركليز» الإنجليزى يستحوذ على نحو 56% من الودائع، وكان معدل التنمية لا يزيد على 0٫7%، كما كان متوسط دخل الفرد السنوى كذلك لا يزيد على 9٫1 جنيه عام 1952م.
وعندما قامت الثورة فى 52، كانت التنمية الاقتصادية عامة، والصناعة خاصة، أحد أهم أهدافها الرئيسية، وكان الإصلاح الزراعى سبيلاً لدعم تلك التنمية، وفى العام الأول تم إنشاء «المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى»، الذى اهتم بدراسة مشروعات الاستثمار والتنمية، وما كان مشروع تأميم قناة السويس مشروعاً له دلالة وطنية فحسب، وإنما كان من ضمن أهم أهدافه توفير مصدر لتمويل مشروعات التنمية، وكذلك الأمر بالنسبة لمشروع السد العالى، فلم يكن مجرد مشروع زراعى ينظم الرى ويزيد مساحة الأراضى الزراعية، بل كان مصدراً مهماً لتوليد الكهرباء اللازمة للصناعة والتنمية.
وقد وضعت خطة لزيادة الدخل القومى بنسبة 7% فى عام 1960م، وبالفعل حقّقت فى أول سنة لها نسبة 6% وهى نتيجة جيّدة، لو وضعنا فى اعتبارنا كلاً من: زيادة الإنفاق الحكومى ببداية توظيف الخريجين، وضعف نسبة الادخار، وزيادة نسبة الاستثمارات فى السد العالى، بأعلى مما تم تحديده، وأزمة الآفات الزراعية فى 1961م، إضافة إلى حرب اليمن، وفى أثناء الخطة زادت العمالة فى الزراعة بنسبة نحو 17%، وفى الصناعة بنسبة 37%، وبلغت الزيادة فى دخل العمال 44%، وفى دخل الموظفين 8%، إلى جانب المزايا الاجتماعية فى التعليم والمواصلات والصحة والسكن.
وذكِّر..
يقول واين داير:
الجهل المطلق هو رفض شىء لا تعلم شيئاً عنه، ثم الإعراض عن البحث عنه فوق ذلك.