يختلف الباحثون فى السيناريوهات المستقبلية لهيكل الفرص المختلفة لجماعة الإخوان، ما بين سيناريو البقاء غير الفعال، أو الانقسام بين المعتدلين والمتشددين، أو الاندماج فى جماعات تكفيرية وسلفية، وغفلوا عن سيناريو التفتت الفكرى الذى يؤدى تدريجياً إلى انهيار فكرة الإخوان من جذورها وإبدالها بفكرة الأمة التى تضم سواد المسلمين، هذا السيناريو اكتسب أرضية كبيرة بعدما تبدّت للمجتمع وجوه متعددة من انحراف الجماعة، وتفجرت سماته وخصائصه فى سجن الفيوم العمومى، وهو ما رصده العديد من المواقع والصحف.
فى سجن القيوم تجرى مراجعات فكرية حقيقية تمثل ركيزة مهمة فى خط المواجهة بعد غياب ملحوظ لدور الأزهر الرسمى، وربّان هذه المراجعات الباحث والكاتب «عمرو عبدالحافظ» المحبوس احتياطياً بسجن الفيوم العمومى، حيث قاد -ومعه زملاؤه- انتفاضة فكرية، كشفوا فيها العيوب المنهجية، والخلل الفكرى، والتسطيح المعرفى، والمقولات المنحرفة، التى تؤمن بها جماعة الإخوان، وشرعوا فى جمع مراجعاتهم فى كتب، وظهرت نسخة من كتاب «الصدمة.. بقلم متساقط على طريق الدعوة»، للأستاذ «حمزة محسن»، كتبه داخل سجن الفيوم، وأهم ما انتهوا إليه فى مراجعاتهم أن جماعة الإخوان بعيداً عن فشلها السياسى، فإن منهجها نفسه منهج حماسى منحرف، وأن الانحراف هذا بدأ من حسن البنا نفسه، وقد تحمّل هؤلاء الشباب سيل البذاءات من تخوين وتسفيه الإخوان لهم نتاج هذه المراجعات، وهذه خلاصة رسالة أرسل بها إلى الأستاذ «عمرو» أنقلها على أن أعود لهذا الموضوع لاحقاً:
«عامان كاملان مرّا منذ بدأت وزملائى فى سجن الفيوم العمومى رحلة بحثنا عن الحقيقة، لم تقنعنا تلك التبريرات التى اعتاد الإخوان أن يعطوها لأنفسهم كلما نزلت بهم نازلة، ولم يرُق لنا أن نُلقى باللائمة على غيرنا أو على الظروف المحيطة، وأيقنّا أن السبب لا شك يكمن فينا، وأن الإصلاح يبدأ من داخلنا، وعلى الرغم من كل العراقيل التى وضعها فى طريقنا خصوم النقد الذاتى؛ بدأنا، حتى استوت فى أذهاننا مراجعات فكرية مكتملة حول مواقف الإخوان السياسية ومنطلقاتها الفكرية التأسيسية، وأخذت تلك المراجعات طريقها إلى عقول الكثيرين هنا وازدادت أعدادهم يوماً بعد يوم، وباسم هؤلاء جميعاً أصدرنا بياننا فى 10 يوليو 2017 نعلن فيه استقلالنا الفكرى والسياسى والتنظيمى عن الإخوان، ونبين حيثيات ذلك الاستقلال، وما زال عملنا مستمراً فى تدوين نتائج مراجعاتنا فى مقالات وكتب، وفى نشر تلك الأفكار الجديدة بين شرائح أخرى داخل السجن، لا نفعل ذلك مناورة كما يحلو للبعض أن يتصور، ولكنها قناعات حقيقية تشكلت وسطّرناها فى عشرات المقالات المنشورة، وبين دفتى كتب ستخرج قريباً، ولا نفعل ذلك لمجرد الرغبة فى الخروج من السجن؛ فلسنا نحن الذين يرهبهم سجن أو يخيفهم سجّان».
بل هو سلوك تقف وراءه قناعة، وتصرُّف تدفع إليه فكرة؛ لذا لم نكتف بمراجعة المواقف السياسية للإخوان، بل تجاوزنا ذلك إلى مراجعة المقولات الكبرى للجماعة كما عبّر عنها مؤسسها حسن البنا وسيد قطب وغيرهما، وانتهينا إلى نتيجة مفادها أن ثمة عيوباً منهجية فى الفكرة التأسيسية للجماعة جعلتها وقوداً لحالة الاستقطاب المجتمعى وسبباً فى تأجيج الصراعات السياسية، وأدركنا كيف بات هذا النوع من التنظيمات جزءاً من مشكلات الوطن وليس جزءاً من الحل.. إنها تجربة ثرية خضنا غمارها، خرجنا بها من ضيق التنظيم إلى سعة الوطن، ومن شرنقة الجماعة إلى رحابة الأمة، وقريباً بإذن الله نخرج من عتمات السجون إلى أنوار الحرية، لننشر بين الناس خلاصة تجربتنا ونسهم فى بناء واقع مصرى أفضل (عمرو عبدالحافظ محبوس احتياطياً بسجن الفيوم العمومى وأحد القائمين على المراجعات الفكرية فيه).