فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، مع احترامى، اسمحوا لى بالرد على ما جاء بكلمتكم فى مؤتمر (دور الفتوى فى استقرار المجتمعات). أولاً: ليس هذا «سعاراً جامحاً» يعكس حجم المؤامرة على حضارة الإسلام، بل صد صائل، فلم نسمع منهم رفع راية الجهاد ضد كفار المسلمين، كما نسمعها من مشايخنا على المنابر، بل منا يا سيدى من يهاجمهم فى ديارهم ويعتدى عليهم، ويقتلهم وأولادهم فى الشوارع، ويشتت شملهم، ويتوعدهم بالذبح ليل نهار، فإذا احتاطوا لهذا وشغلونا بصراعاتنا التاريخية، ودفعوا البلاء بالبلاء، وأطفأوا النار بالنار، صرخنا وقلنا مؤامرة. نحن الذين قد بدأنا، وعلى نفسها جنت براقش، نحن المتآمرون على أنفسنا، ونقوض بنيان ديننا بأيدينا، فإذا اعتبرنا «داعش والقاعدة وطالبان» مؤامرة على الإسلام، فمن أين جاءوا وتربوا واقتنعوا وتعلموا؟ فليس من دعا كمن استجاب، ومن ناول كمن أحرق. ثم ماذا عن تدمير اليمن وحرقه، وموت أهله، هل مؤامرة أيضاً؟ المؤامرة يا سيدى أحد أركانها وأعمدتها الخيانة والجهل، فإن كانت كذلك، فنحن أعظم المتآمرين. ثانياً: أما عن تحطيم تراث المسلمين والسخرية من أئمتهم، فنحن ندارى عن الناس ما يسخرون منه، فمن أفتى برضاع الكبير، ومضاجعة الوداع، ومجامعة البهيمة، ورجم القردة الزانى منهم، وزواج الأب ابنته من الزنا، ومدة الحمل من سنتين إلى خمس، والكثير، هم مشايخنا وليس غير، وكنا نود حجبها ومنعها حتى لا يحدث ما تفضلتم به، وهو السخرية والاستهزاء منه، فالعيب فيمن قال وروى وليس فيمن ضحك وسخر.
ثالثاً: عن الحالتين المرصودتين فى الهجوم على الأزهر كما تفضلتم، الأولى: بعد الحوادث الإرهابية، والثانية: كلما أحرز الأزهر نجاحاً. أبدأ وأقول إن الأزهر الشريف ثروتنا وتاريخنا، ولا علاقة بين مطالبتنا بتنقية مناهجه المتصادمة مع العالم، والمتخاصمة مع العقل والعلم، وبين الأزهر كمؤسسة باقية مستمرة، مع زوال الأفراد والمناصب والمناهج. أما عن الحوادث الإرهابية، ونقسمها قسمين؛ الأول: حوادث إرهابية ضد الدولة والعالم الخارجى، فنقول قولاً واحداً إن هؤلاء خارجون من عباءتنا وتراثنا ومناهجنا ومشايخنا، بل وأقول بعض من الأزاهرة لم يلتزموا بعد، ويدعون لجهاد الطلب ومحاربة الكفر ما كان الكفر قائماً، وكأننا فى غابة لا يحكمها قانون أو نظام، فنلجأ للأزهر ونفتح له أذرعنا بالدعاء أن ينقذ الإسلام والمسلمين فلا يستجاب لدعائنا ولا يشفى صدورنا، بل كفّر شيخ من مشايخه إسلام بحيرى ولم يكفروا «داعش»، واعتبروه أخطر على الإسلام منهم. أما الثانى: حوادث إرهابية ضد الإخوة المسيحيين وكنائسهم وشعائرهم، وآخرها مقتل القمص سمعان، فأنا أدعو فضيلتك لفتح كتاب المرشد فى الفقه الشافعى شرح كتاب الإقناع المقرر على الصف الثالث الثانوى (وألا يكون المقتول أنقص من القاتل بكفر أو هدر دم، تحقيقاً للمكافأة المشروطة، وإن قتل المسلم كافراً، أو قتل المعصوم زانياً محصناً فلا قصاص على القاتل لأن المقتول أنقص منه، فلا يُقتل المسلم بكافر فى القتل العمد، وعليه دية وهى نصف دية المسلم)، هذا يا فضيلة الإمام ضد المواطنة التى كفلها الدستور، ومناهض لفكرة العدل الإنسانى الذى كفله القانون الدولى. أليس القاتل حين يهم بالقتل مؤمناً بهذا، ويرتاح ضميره إليه؟ وهذا الطالب إن أصبح يوماً ضابطاً أو قاضياً، هل يلتزم بالقانون أو بالشرع الذى تربى عليه واعتنقه وآمن به؟ أما عن نجاح الأزهر، فليس من نجاح يعادل لقاء فضيلتك فى البرلمان الألمانى، لو عملوا به وترجموه إلى واقع عملى (وأكثره نجاحاً رأى فضيلتك عن زواج المسلمة من الكتابى حين قلتم معلوم أن الزوج المسيحى لا يعترف بمحمد، لكن لو قلتم لى ممكن أن يعترف بالإسلام.. هذا مسلم.. فليتفضل يتزوج مفيش مشكلة، لأنه من غير المعقول أن نضع زوجة مسلمة تحت تصرف رجل لا يعترف بدينها، فهذا تعريض بها وبدينها) «وأنا أوافق فضيلتك وأعود إليها حالاً»..
رابعاً: أما عن الهجوم على الأزهر والذى يتزامن مع المطالبات الطاغية بإباحة الشذوذ، فهذا ليس صحيحاً، فليس ثمة علاقة بينهما، فنحن لسنا دعاة فجور أو عهر أو فاحشة أو شذوذ، ولا نرضى أن تكون العلاقة بين امرأة ورجل خارج حدود الزواج الشرعى والموثق، ولا نوافق بل ونرفض «ونقرف» من هذه العلاقة الشاذة والآثمة بين رجل ورجل، أو امرأة وأخرى، لكننا نرى ضرورة معالجة هذه الظاهرة علاجاً علمياً صحيحاً، يشارك فيها متخصصون من الطب النفسى وعلماء الاجتماع ورجال الدين، ومن وقع منهم فى هذا المستنقع لمعرفة أسبابه ودوافعه، هذه ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى معالجة نفسية طبية، وآخر مراحلها الكى، وليس بدايته، فإذا قلنا هذا شككوا فى نوايانا كما تفضلتم، هكذا خلطوا لفضيلتك الأوراق وترتيب مراحل العلاج.
خامساً: أما عن دعوات التغريب ووجوب مساواة المرأة بالرجل فى الميراث وزواج المسلمة من الكتابى، فهو اجتهاد تعرضنا إليه كما أخذ به شيوخ تونس، وقلنا رأياً وقالوا غيره، وليس فى هذا هجوم على أحد، أو تمرد. ونعود فضيلتك إلى قولك فى البرلمان الألمانى بخصوص زواج المسلمة من الكتابى، وأنا أوافق فضيلتك تماماً، فهو دليل على عدم وجود نص قطعى الثبوت والدلالة بالتحريم وهو الأصل فى التحريم، وهو اجتهاد فقهى، يرد عليه وإليه، ولقد رددت فضيلتك بنفسك عليه، وطورته وأخرجته من غلوائه، وهو إذا أقرها على دينها وشعائرها ولم يمنعها، فلا مانع بالزواج منها، والقوانين فى كل دول العالم تحميها وتلزمه أيضاً. أما عن الميراث، فالحكم يدور مع العلة والمصلحة، كما دار مع حكم المؤلفة قلوبهم، وحكم الرق وملك اليمين، وحد السرقة والحرابة، وجلد الزانى والزانية، ولم يبطلها نسخ شرعى، بل أبطلها قانون وضعى جاء بعد جهاد ونضال إنسانى. فضيلة الإمام الأكبر، لكم المقام العالى واحترامنا جميعاً، نرجوكم عليكم بتجار الدين ولسنا منهم.