«بلية» هو أحد أشهر أسماء أهل الحرف فى مصر، وعادة ما يُطلق الاسم على الطفل الصغير الذى يعمل فى حرفة ما كمساعد مبتدئ.. وكثيراً ما استخدم الفن والأدب اسم «بلية» فى أعمال عديدة، مثل: فيلم «بلية ودماغه العالية» للفنان محمد هنيدى، ومسرحية «كابتن بلية» للأطفال، وسلسلة كتيبات «بلية العحيب» المصورة.
وأشهر «بلية» ارتبط بها جيلى هى الطفلة «هديل» التى مثلت دور «بلية» فى فيلم «العفاريت»، بطولة الفنانة مديحة كامل والمطرب عمرو دياب، وقد غنى لها الأخير أغنية شهيرة تقول: «عودى يا بلية».. فى الفيلم السينمائى، عادت «بلية» بالفعل، وعاش الجميع فى سعادة، أما فى الواقع المُعاش فإن «بلية» يغادر ولا يعود.
هجرة اليد العاملة هى أمر موجع، والحديث عنها ذو شجون.. سواعد وطنية تبنى فى غير أوطانها، وطاقات مهدرة يستفيد بها آخرون، حتى إن دولة مثل كندا لديها برامج لاستقبال المهاجرين، أهمها على الإطلاق برنامج يسمى «هجرة العمالة الماهرة».
الجانب المشرق من مسألة هجرة العمالة يتعلق بالتحويلات النقدية من تلك العمالة إلى ذويهم فى البلد الأم، حيث بلغ إجمالى الحوالات الصادرة من الدول العربية عام 2014 نحو 110 مليارات دولار، (وهو رقم يساوى ميزانية دولة كإسرائيل فى العام ذاته)، وهنا يصبح العامل سعيداً لإنجازه، وعائلته مسرورة لأمواله، ووطنه الأصلى فرحاً لتحويلاته، والدولة المضيفة مرتاحة لعمله.. ولكن للقمر وجه آخر ليس به إلا الظلام.
نظام الكفيل مثلاً، والمطبق فى معظم دول الخليج العربى، يقترب بالعلاقة بين العامل وصاحب العمل إلى حدود العبودية، فهو قائم على تقييد الحقوق، فى عقود وتأشيرات قصيرة الأمد، مع تحكم صاحب العمل حتى فى حركة العامل، الذى يصبح مشلولاً.. كل هذا فى ظل عدم وجود إمكانية للجوء للقضاء، مع ضعف آليات تسوية النزاعات، وغياب برامج التعويض، وانعدام الحرية النقابية، وبالتالى يعجز العمال عن الاحتجاج فردياً أو جماعياً.
المهاجرون فى دول الخليج الست يمثلون أكثر من 10% من عدد المهاجرين عالمياً.. ويشكلون أكثر من 80% من سكان قطر والإمارات، وغالبية سكان البحرين، وهم 95% من القوى العاملة فى قطاعى البناء والعمل المنزلى فى دول الخليج.. وتبعاً لمنظمة العمل الدولية، هناك نحو 600 ألف مهاجر من ضحايا العمل الجبرى فى المنطقة العربية.
والغريب أنه، فيما يبدو، فإن هجرة اليد العاملة أمر لا يضايق العقل الجمعى الشعبى فى مصر، بل إنه حتى اختطاف تلك اليد لا يفرق مع أحد، فنحن لا نتضايق كثيراً مما فعله المحتل العثمانى سليم الأول، الذى أمر بترحيل الحرفيين المهرة من مصر إلى الأستانة عاصمة حُكمه.. وأظن أن الناس نسيت هذه الواقعة السيئة كنوع من التوازن النبيل مع نسيانهم وتناسيهم لنصفها الثانى الذى يفيد بأن سليم الأول طالب الحرفيين بالعودة إلى مصر بعد ثلاث سنوات، لكنهم ماطلوا مفضلين الإقامة بتركيا، فأرغمهم هو على العودة لبلادهم عبر فرمان يفيد بإعدام كل من يبقى منهم.
دُعيت، الأسبوع الماضى، إلى ورشة عمل لمنظمة العمل الدولية، عن «هجرة اليد العاملة»، وتشرفت بالتفاعل مع شخصيات محترمة مثل السفيرة نائلة جبر، رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.. ود. أيمن زهرى، وأ. نورهان عبدالعزيز، من الجامعة الأمريكية.. ود. أيمن عبدالهادى، ود. هشام فايد، ود. سهير عثمان، من جامعة القاهرة.. نوقشت أمور لا بد أن يتوقف عندها الإعلام كثيراً.. وهذا قد يكون موضوعاً لمقال آخر.