كواليس «موقعة الواحات»: المعلومات رصدت 30 متطرفاً بتسليح خفيف.. وعناصر أجنبية دعمت الإرهابيين
قوات الأمن فرضت طوقاً أمنياً وأغلقت المنافذ المؤدية إلى الواحات بعد الحادث
لا تزال صدمة الاشتباكات الدامية التى وقعت بين قوات الشرطة وعناصر إرهابية فى العمق الصحراوى الوعر بمنطقة الكيلو 135 على طريق الواحات البحرية تهيمن على كافة الأصعدة الرسمية والأمنية والشعبية. التفاصيل التى أعلنتها وزارة الداخلية، عصر أمس الأول، حاولت إعادة الأمور إلى نصابها وتبديد حالة الغموض التى اكتنفت تلك الأحداث لما يقرب من ثمان وأربعين ساعة، إذ ورد فى بيان الوزارة أنه تم إعداد القوات للقيام بمأموريتين من محافظتَى الجيزة والفيوم لمداهمة تلك المنطقة (الكيلو 135 على طريق الواحات البحرية)، إلا أنه حال اقتراب المأمورية الأولى من مكان وجود العناصر الإرهابية استشعروا بقدوم القوات وبادروا باستهدافهم باستخدام الأسلحة الثقيلة من كافة الاتجاهات، فبادلتهم القوات إطلاق النيران لعدة ساعات، ما أدى لاستشهاد 16 من القوات وإصابة 13 آخرين، وتم تمشيط المناطق المتاخمة لموقع الأحداث بمعرفة القوات المعاونة. وأسفر التعامل مع العناصر الإرهابية عن مقتل وإصابة 15، وتم إجلاء بعضهم من مكان الواقعة بمعرفة الهاربين منهم.
بيان وزارة الداخلية جاء قاطعاً الطريق على تدفق سيل هادر من المعلومات المغلوطة والأكاذيب والشائعات والصمت الطويل فى محاولة لإعادة الاتزان لوضع ظل مرتبكاً وقاتماً لساعات طويلة لكنه لم يحمل أجوبة شافية لمعظم الأسئلة التى توالدت من رحم تلك الاشتباكات. أكثر تلك الأسئلة بداهة وأصعبها فى آن واحد هو: ماذا حدث؟ إجابة هذا السؤال من الممكن أن تجيب عن أسئلة أخرى من نوعية: كيف حدث؟ ثم الإجابة بالضرورة عن علامات استفهام من قبيل: كيف تطورت القدرات الإرهابية (البشرية والاستخباراتية والتكتيكية) على هذا النحو المرعب؟ علاوة على: لماذا تبقى تلك المنطقة مسرحاً مفتوحاً ومرعباً لتلك الجماعات الإرهابية؟
«الوطن»، فى محاولتها للإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها، تحدثت إلى مصادر مطلعة ذكرت تفاصيل ما حدث أو جانباً كبيراً منه.
الإرهابيون نصبوا فخاً للشرطة وفاجأوا القوات بخطة تكتيكية وقوة نيران تشبه الحروب.. ووعورة المنطقة منعت المأمورية من التراجع
قبل عدة أيام، منذ أسبوع تقريباً، كانت صورة ما تكتمل أمام القيادات الأمنية فى الأمن الوطنى ومديرية أمن الجيزة، بناء على تحريات ومعلومات قدمتها مصادر سرية وعناصر تكفيرية تم ضبطها. فحوى تلك المعلومات أن عناصر تكفيرية تتمركز فى منطقة جبلية محصورة بين الكيلو 131 والكيلو 135 على طريق الواحات البحرية. المعلومات والتحريات أجمعت على أن تلك العناصر تستعد لإنشاء معسكر تدريبى لها فى تلك المنطقة الوعرة التى تطوقها القمم الجبلية الصخرية شديدة الوعورة، وتحدثت المعلومات والمصادر عن تسليح خفيف لا يتجاوز طبنجات وأسلحة آلية وأحزمة ناسفة. ومن ثم كان رأى القيادات الأمنية هو تنفيذ عملية الاقتحام بشكل سريع وخاطف قبل زيادة تسليح تلك العناصر (التى قدرتها المعلومات بأن عددهم لا يتجاوز 30 عنصراً ومعظمهم مقبلون من أجل التدريب) أو حصولهم على أى إمدادات إضافية، وتم القياس على معسكرات مماثلة تم اقتحامها فى الإسماعيلية والبحيرة والفيوم والمنيا.
وفقاً لما هو متبع، تم إرسال تلك المعلومات لقائد قوة الاقتحام، وعُقد اجتماع بين ضباط بالأمن الوطنى وأمن الجيزة والعمليات الخاصة، وتم وضع خطة الاقتحام على غرار خطط سابقة تم تنفيذها فى مداهمة معسكر فى الإسماعيلية وآخر فى الفيوم. فى ساعة متأخرة من مساء الخميس الماضى تحرك رتل يضم ما يقرب من 12 مركبة أمنية بينها 5 مدرعات و4 عربات دفع رباعى مدعومة بمدافع نصف بوصة وقوات مسلحة بالرشاشات وقناصة وقطعت الطريق إلى منطقة الكيلو 135 فى 4 ساعات، على أن يتم الدخول فى عمق الصحراء لمسافة 17 كيلو لحصار المنطقة ومداهمة الوكر والقبض على عدد من عناصر التنظيم أحياء، لذلك تم الدفع بعدد كبير من ضباط الأمن الوطنى للمشاركة فى العملية دون الاستعانة بقوات من الجيش كون العملية حسب المعلومات المتوافرة لا تستدعى ذلك.
مع شروق شمس يوم الجمعة وتوغل القوات فى الصحراء واقترابها من منطقة تحدها تلال رملية وصخرية عالية فوجئت القوات بقذائف «آر بى جى» و«هاون» وطلقات «جرينوف» مقبلة من أعلى، وتبين أنهم فى فخ أو مصيدة وتنهمر عليهم نيران الأسلحة والقذائف. حاولت القوات التراجع، لكن وعورة المنطقة حالت دون تحرك العربات بسهولة ومن ثم وقع ما يقرب من 16 شهيداً بخلاف 13 مصاباً وتبين أن المهاجمين نحو 90 إرهابياً.
تمكنت فى أعقاب ذلك قوات الدعم التى كانت موجودة فى خط خلفى يبعد عن تلك القوات بنحو 7 كيلومترات من التقاط إشارات الاستغاثة، وتم إبلاغ القيادات والدفع بقوات إضافية، وبالفعل وصلت التعزيزات ظهراً، وتم تطويق المكان والتعامل لما يقرب من ثمانى ساعات حتى تمكنت القوات، ظهر السبت الماضى، من السيطرة على الوضع بعد إسناد جوى وتم قتل وإصابة 15 من العناصر التكفيرية وفرار الباقين. وحتى مثول الجريدة للطبع لا تزال القوات تحاصر المنطقة بعد فرض طوق أمنى مشدد حولها وتجرى حالياً عمليات تمشيط واسعة، وتم إغلاق المنافذ الحدودية لمحافظات الوادى الجديد والفيوم والجيزة، فضلاً عن فتح تحقيقات موسعة فى وزارة الداخلية لمعرفة ملابسات العملية وما أثير بشأنها.
90 إرهابياً اشتبكوا مع القوات 8 ساعات واستخدموا «الجرينوف» من قمم الجبال.. وفرض طوق أمنى حول المنطقة وإغلاق المنافذ الحدودية.. والأسلحة دخلت عبر دروب صحراوية ووفّرتها مخابرات دول تخطط لتحويل الصحراء الغربية إلى بديل لسيناء
لكن لماذا تحولت منطقة الواحات أو الصحراء الغربية عموماً إلى مناطق تستوطنها الجماعات التكفيرية وتنفيذ عدد غير قليل من العمليات الإرهابية بها على غرار عمليتَى الفرافرة ضد قوات حراس الحدود والشرطة فى مناطق لا تبعد كثيراً عن تلك المنطقة؟ حسب خبراء فإن الإرهابيين يستغلون المناطق الصحراوية كونها تشغل مساحات شاسعة من الصعب تأمينها، كما أن خلوّها من المواطنين يسهّل تحركات الإرهابيين ويجعل من الصعب الوصول لهم، ويسمح لهم بالاختباء وتلقّى تدريبات عسكرية على تنفيذ العمليات الإرهابية، واستخدام الأسلحة وتصنيع العبوات الناسفة، إضافة إلى قرب هذه المنطقة من الحدود الليبية التى تمر الأسلحة عبرها، فضلاً عن القدرة على التوجه إلى ليبيا للاختباء بها وتدريب عناصرهم عليها، وتنفيذ مخططاتهم الإرهابية بالاستعانة بسيارات الدفع الرباعى.
كما أن الوضع الأمنى غير المستقر فى ليبيا وتمركز عدد كبير من التنظيمات الإرهابية بها، وأبرزها القاعدة و«المرابطين» الذى يتزعمه هشام العشماوى، يجعل من العبور إلى تلك المناطق أمراً سهلاً، خاصة مع طول الشريط الحدودى ووعورة المنطقة، علاوة على الضربات القاصمة التى تلقاها تنظيم «داعش» والجماعات الموالية له فى سوريا والعراق واتجاه عناصر التنظيم لمناطق أكثر أمناً بالنسبة لهم ومن ثم تمركزوا فى ليبيا فى مناطق قريبة من الحدود المصرية وتمكنوا من التسلل لداخل الحدود، وزيادة عدد عناصر الخلية الإرهابية، الأمر الذى أدى لوجود هذه العناصر وعودتها لمصر وبحوزتها كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، إضافة إلى أن هذه المجموعات كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية كبيرة خلال الفترة المقبلة، خاصة أن المنطقة توجد بها حقول بترول عديدة.
اللافت أيضاً هو التسليح عالى الجودة والتمركز الدفاعى للإرهابيين والقدرات المعلوماتية، ما يشير إلى وجود دعم مادى ولوجيستى من مخابرات دول بعينها، رأت الدفع بثقلها المعلوماتى والمادى فى تلك المنطقة بعد حصار الجماعات الإرهابية التى تعمل لحسابها فى شبه جزيرة سيناء، وهو ما يفسر ما تشهده منطقة الواحات البحرية تحديداً من نشاطات ملحوظة للجماعات المسلحة من وقت إلى آخر.
ما سبق يشير إلى أن اشتباكات الواحات البحرية كانت مفاجأة للقوات على المستوى التكتيكى نظراً للطبيعة الجغرافية للمنطقة وتطور تسليح الإرهابيين الذى يشبه الحروب، والمؤكد أن تلك العناصر دخلت البلاد عبر الدروب الصحراوية مقبلة من الجانب الليبى، ما يفرض ضرورة حظر سير المركبات على الشريط الحدودى الغربى والجنوبى نظراً للخطورة الداهمة التى تمثلها تلك التحركات، حيث تنشط الجماعات الإرهابية التى تتحصن بتلك المناطق وتنقل الأسلحة عبر سيارات الدفع الرباعى.
خبراء أمنيون أكدوا أنه يجب مراجعة تسليح القوات فى تلك العمليات وتدقيق المعلومات، كون الجماعات الإرهابية تتطور بشكل ملحوظ مستغلة دعماً استخباراتياً ومالياً من دول بعينها تستهدف إسقاط الدولة المصرية، وقالت مصادر أمنية مطلعة إن وزارة الداخلية لا تزال تحاصر المنطقة حتى الآن وتجرى عمليات تمشيط واسعة النطاق وتعكف حالياً على وضع خطة شاملة لتطهير المنطقة بالكامل وتشديد الرقابة على الشريط الحدودى الغربى الذى تستخدمه العناصر الإرهابية للاختباء والتدريب والتجهيز للقيام بعمليات إرهابية، مستغلين فى ذلك الطبيعة الجغرافية الوعرة للظهير الصحراوى وسهولة تحركهم خلالها.
وكانت وزارة الداخلية أعلنت أنه تم إعداد القوات للقيام بمأموريتين من محافظتَى الجيزة والفيوم لمداهمة منطقة الكيلو 135 على طريق الواحات، إلا أنه حال اقتراب المأمورية الأولى من مكان وجود العناصر الإرهابية استشعروا بقدوم القوات وبادروا باستهدافهم باستخدام الأسلحة الثقيلة من كافة الاتجاهات فبادلتهم القوات إطلاق النيران لعدة ساعات ما أدى لاستشهاد 16 من القوات (11 ضابطاً و4 مجندين و1 رقيب شرطة) وإصابة 13 (4 ضباط و9 مجندين)، وتم تمشيط المناطق المتاخمة لموقع الأحداث بمعرفة القوات المعاونة، وأسفر التعامل مع العناصر الإرهابية عن مقتل وإصابة 15 تم إجلاء بعضهم من مكان الواقعة بمعرفة الهاربين منهم، وما زالت عمليات التمشيط والملاحقة مستمرة.
ونعت الوزارة شهداءها الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم فداء للوطن ودفاعاً عن المواطنين، وأكدت أن ذلك لن يزيدها إلا إصراراً وعزيمة على الاستمرار فى بذل المزيد من الجهد لاقتلاع جذور الإرهاب وحماية وطننا الغالى. وأهابت الوزارة بوسائل الإعلام تحرى الدقة فى المعلومات الأمنية قبل نشرها والاعتماد على المصادر الرسمية وفقاً للمعايير المتبعة فى هذا الشأن، وكذا إتاحة الفرصة للأجهزة المعنية للتحقق من المعلومات وتدقيقها، لا سيما فى ظل ما قد تفرضه ظروف المواجهات الأمنية من تطورات، الأمر الذى قد يؤدى إلى التأثير سلباً على سير عمليات المواجهة والروح المعنوية للقوات.