16 شهيداً و15 مصاباً حصدتهم يد الإرهاب الآثمة فى يوم واحد، كلهم من ضباط وجنود الشرطة، كل الأنفس معصومة، الاعتداء على كل الأنفس حرام، السلاح لا يجوز حمله فى أى بلد فيه قانون إلا للجيش والشرطة والأجهزة الأمنية السيادية.
قتل الأنفس المعصومة أعظم من حرمة الكعبة المشرّفة، نفس المسلم والمسيحى واليهودى والبوذى والهندوسى، والمصرى والعراقى واليمنى والخليجى والإيرانى والتركى والأمريكى واليابانى، وغيرهم معصوم الدم، وكذلك الجيش والشرطة والإخوانى والسلفى والمسيحى والاشتراكى والليبرالى واليسارى المصرى، كلهم معصوم الدم والمال، كل الأنفس سواء فى العصمة.
منذ أيام قتلت مجموعات تكفيرية عدداً كبيراً من ضباط وجنود الشرطة المصرية، ومن قبلها قتلوا مسيحيين، وفجّرت كنائس، وقبلها اغتيل وقتل ضباط جيش، والسؤال المهم.. وماذا بعد؟؟
هل انتصر الإسلام أو ارتفع شأنه بذلك؟ هل أحب الناس الإسلام بذلك؟ أو دخلوا فى دين الله أفواجاً؟ أم أنهم يخرجون منه وينصرفون عنه أفواجاً بهذه الأفعال الإجرامية؟ ويشكون فيه وفى تعاليمه، هل بشّر هذا العنف أم نفر الناس عن الدين؟ هل قرّبهم منه أم باعدهم عنه؟ هل حبّبهم فيه أم شكّكهم فى شريعته فزاد عدد الملحدين؟
يا قوم قتلتم عشرات الضباط والجنود والمسيحيين، فهل رفع هذا عنكم ظلماً أم حدث العكس؟ هذه الاغتيالات والتفجيرات لن تخرج معتقلاً أو سجيناً، بل ستسوق مئات أخرى إلى السجون قد يكون بينهم أبرياء، وستزيد السجناء رهقاً وألماً.
كل العنف والاغتيالات والتفجيرات التى مارستها بعض الحركات الإسلامية المصرية طوال ثمانين عاماً لم ترفع ظلماً أو تطلق سجيناً أو تنصف مظلوماً أو تُفد الشريعة أو تحى ديناً، أو تُحبّب الناس فى الإسلام، أو تقرّبهم إليه أو تبشرهم بأفضاله وخيراته، أو تحثّهم على اتباعه، لكنها أسهمت فى بدء الظلم وزيادته وبداية السجن وزيادة عدد السجناء وزيادة رهقهم وقهرهم أو صنع الاستبداد وزيادته وتدشينه وشرعنته وتنفير الجميع عن الدين.
ثمانون عاماً مارست فيها فصائل إسلامية مصرية العنف فلم تصل إلى السلطة، بل كلما مارست العنف، ابتعدت أميالاً وأميالاً عن السلطة، بل عن الحرية والحياة أيضاً، وكلما مارست العنف قوبلت بعنف أشد منه وأشرس، ولذا فإن الطريق الأوحد للخلاص من العنف فى البلاد أن تطلق الحركات الإسلامية العنف تماماً فى كل الأحوال، وفى كل الظروف، وحتى لو ظلم بعض أبنائها، وحتى لو حيل بين بعض أبنائها وحقوقهم، فإن العنف يضر بهم ضرراً بالغاً ويسىء إلى قضيتهم وأمتهم وإسلامهم ويبث الكراهية بينهم وبين الآخرين.
ثمانون عاماً من العنف بأى حجة كانت لم تجعل الحركة الإسلامية تصل إلى السلطة أو تحافظ على الدعوة أو على الحب والاحترام بينها وبين المجتمع، بل تحول الحب إلى كراهية والدعوة إلى نفور، وذلك بسبب العنف، فلا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت، فلم تحصل أى مصلحة وحصلت كل المفاسد.
العنف والاغتيالات والتفجيرات التى تمارسها فصائل الإسلام السياسى العنيفة طوال ثمانين عاماً ضد الجيش أو الشرطة أو المسيحيين المصريين لا ينطبق عليه مفهوم فريضة الجهاد العظيمة التى ظلمها هؤلاء أكثر من ظلم خصوم الإسلام لها، وأساءوا إليها أكثر من إساءة غير المسلمين إليها، وهى أقرب إلى البغى والغدر والعدوان.
وحتى لو وقعت من بعض الحكومات المتعاقبة التى تحكم مصر مظالم، فلا يجوز رد هذه المظالم بالاغتيالات والتفجيرات، لكنه يكون بالطرق القانونية، فإن لم تصلح، فبالصبر عليها، وقد ظلم أحمد بن حنبل، ولم يأمر بمبارزة من ظلموه وجلدوه بالسلاح والسيف، لكن أمر الناس بالصبر، وبهذا السلاح العظيم انتصر هذا الإمام، حتى قيل «أحمد بن حنبل هزم خليفتين بالصبر»، فالصبر هو سلاح أولى العزم من الرسل وأتباع الرسل، «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ».
السلطة لن تقع فى يد جماعات الإسلام السياسى، وهذا أصبح معلوماً من السياسة بالضرورة، لا يشك فيه كل من خبر السياسة المحلية والإقليمية والدولية، وإذا وصلت هذه الجماعات إلى السلطة سيُحال بينهم وبينها.
وخبرة الحركة الإسلامية السياسية فى الثمانين عاماً الماضية تقول: «كلما أرادت الجماعات أن تجمع السلطة مع الدعوة ضاعت الاثنتان، وحُشر الآلاف إلى السجون، فلتتوقف هذه الحركات عن السياسة أو طلب السلطة، لأنها لن تُحسنها أو تدركها ولتفعل ما تُحسنه، وهو الدعوة إلى الله والإصلاح الاجتماعى.
يا قوم أبقوا على أنفسكم وعلى غيركم وعلى وطنكم وأهلكم، ارفعوا الغطاء السياسى والشرعى والدينى عن مجموعات العنف مهما كان خلافكم مع الحكومة، لأن مجموعات العنف والإرهاب أسوأ من كل شىء، وستضركم أكثر من الدولة.