«الذوق مش نافع، يبقى نشرع قوانين تجبر الناس على تنظيم الأسرة». رحى هذا الموضوع دارت على مواقع التواصل الاجتماعى، ثم انتقلت بعد ذلك إلى وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية. القصة باختصار تتعلق بمشروع قانون طرحه أحد الحقوقيين بتحريم الإنجاب دون الحصول على رخصة من الجهات المعنية، ويسمح المشروع للمتزوج بالحصول على رخصة لمدة خمس سنوات ينجب فيها طفلاً واحداً فقط، ويمكن أن تجدد الرخصة لمرة واحدة فقط، ليتحدد سقف الإنجاب بطفلين، ومن لا يلتزم يتعرض لعقوبات من بينها الغرامة المالية، والحرمان من الرخصة الثانية.
أفكار عديدة من هذا النوع طُرحت عقب تجاوز تعداد المصريين الـ100 مليون نسمة. مؤكد أن هذا العدد كبير للغاية، ويستوجب من المصريين وقفة من أجل تنظيم الأسرة، فالزيادة السكانية لا تتناسب مع موارد ومقدرات الدولة التى لا تزيد بما يقابل أو يوازى الزيادة السكانية. ومنذ الستينات هناك حملات إعلامية منظمة موّلتها الحكومة بالتعاون مع بعض الجهات الدولية من أجل إقناع المصريين بخفض الإنجاب دون جدوى.
فى الستينات صدر كتيب للإمام محمود شلتوت يؤكد فيه أن تنظيم الأسرة حلال من الناحية الدينية، وخلال فترة السبعينات، وما أعقبها، نشطت حملات إعلامية كثيرة لتحريض المصريين على خفض الإنجاب، مرة يستخدمون للمواطن الأغنية (حسنين ومحمدين نموذجاً)، ومرة يجلبون له نجوم الفن فى محاولة لإقناعه (الراحلة كريمة مختار والفنان أحمد ماهر نموذجاً)، ورغم ذلك واصل المصريون الإنجاب بلا توقف، وتضاعف عدد السكان.
ويبدو أن عدم جدوى الحملات الإعلامية، وتحولها من وجهة نظر البعض إلى سبوبة، باستغلال رغبة الدولة فى مواجهة هذه المعضلة، دفع البعض إلى التفكير فى أساليب قمعية لإجبار المواطن اللى «مش عاوز ييجى بالذوق» أو بـ«الرضا» بطرق تقوم على «الغصب». قبل حدوتة «رخصة الإنجاب» ظهرت أفكار تدعو إلى حرمان من ينجب أكثر من طفلين من بطاقة التموين، ومن الدعم، ودعا البعض إلى أن تترك الدولة الطفل الثالث للمواطن لكى «يشربه»، ويشرب إخوته الآتين من بعده.
أذكر أن الهند أيام أنديرا غاندى طبقت أفكاراً من هذا النوع لإيقاف طوفان الإنجاب لدى الهنود، فسنّت تشريعاً يمنح الدولة حق حقن المواطن بحقنة تؤدى إلى العقم، وذلك بعد إنجاب طفلين. طبعاً هذا الأمر لم يُرض الهنود، ورأوا أن الأمر لا يعدو أن يكون جزءاً من سياستها فى الحكم القائمة على إسكات الناس، وكانت النتيجة أن ذهبت «أنديرا» إلى ربها، وظل الشعب الهندى «ينجب». الشعوب لا تُعانَد، بل يصح النظر إلى كثرة الإنجاب لدى المصريين، رغم المحاولات المستمرة لإقناعهم بالكف عن ذلك، كنوع من العناد. لماذا لا يكون جانب من استمرار المصريين على هذا النهج نوعاً من العناد للحكومة؟ وهو أمر لا بد أن نفكر فى أسبابه، ونحن نتحدث عن مشكلة الانفجار السكانى.
ثمة عاملان أساسيان يمكن أن يساعدا بقوة فى حل هذه المشكلة، أولهما رفع المستوى الاقتصادى للمواطن، وثانيهما عزوف الحكومة عن معاندة وقهر المواطن، حتى لا يعاندها.
دراسات عديدة تؤكد أن ارتفاع المستوى الاقتصادى للأسرة، وكذلك المستوى الثقافى، يؤديان إلى خفض الإنجاب، فالمستمتع بالحياة لا يسىء إلى الحياة، والحر فى الاختيار ليس بحاجة إلى العناد.