وقع علينا سؤال صديقنا العزيز كالصاعقة، حيث سأل: ومَن وما الذى يضمن لنا أن كل ما يبنيه الرئيس السيسى الآن لن يأتى بعده من يبيعه ويصفّيه، وقد جربنا ذلك من قبل، وكلنا أسهمنا فى بيع ثروة مصر والتخلى عنها، واكتفينا بالفرجة، وهى تباع أمام أعيننا وكأننا شعب آخر؟ قلت: الوعى اختلف وهو أفضل من الأول، كما أن التجربة لن تمر إلا وقد تعلم شعبنا كيف يدافع عن حقوقه..
الآن نقفز إلى قلب الموضوع.. هل فعلاً ارتفع وعى شعبنا؟ هل تغير سلوكنا فعلياً؟ أم أن أمامنا خطوات عديدة ومشوار طويل على ذلك؟ الحقيقة تقول إن أمامنا مشواراً طويلاً، وإن كان الوعى لا يتم بقرار، بحيث تقرر أى جهة أن الشعب سيزداد وعيه بعد قليل، أو غداً أو الشهر المقبل، أو بداية من العام الجديد.. الوعى يتم بالتراكم.. لأنه فى الأساس حاصل عدة عوامل من التعليم والثقافة والإعلام معاً تتفاعل لتنتج «مواطناً واعياً».. وتتيسر لنا، نحن المصريين، فرص مهمة نهدرها واحدة بعد الأخرى، أو على الأقل لا نستفيد منها بالشكل الأمثل.. واحدة من تلك الفرص هى قانون المرور الجيد، الذى يمكنه أن يكون مدخلاً، ليشكل بذاته إضافة لسلوك المصريين وتحضرهم.. وملخص الفكرة أن مواد القانون الجديد الذى على وشك الإقرار من مجلس النواب ومواده تعاقب المخالفين لقواعد المرور، لكن ماذا عن المخالفين لقواعد الأدب والنظافة والنظام؟ بمعنى: متى ونحن نعيد بناء الإنسان المصرى سيتم وضع عقوبات لمن يلقون بالقمامة فى عرض الطريق العام؟ جهد كبير يبذله عمال النظافة الغلابة من أجل شوارع نظيفة، وفجأة يضيع مجهودهم، ومعه حق المصريين فى بيئة نظيفة عندما يلقى بعضهم القمامة، وعلب السجائر الفارغة وعلب المثلجات والمناديل الورقية دون أى وازع من ضمير أو من أخلاق أو خجل من المارة، وبالتالى لا يمكن وقف الظاهرة إلا بالقانون، وللأسف أغلب أبطالها ممن يستقلون سيارات فارهة، ويبدو عليهم تلقيهم قسطاً كبيراً من التعليم!
نقطة أخرى.. ماذا سنفعل مع «التوك توك»؟ هل سنضبط سلوك المركبة دون سلوك قائدها؟ بمعنى: هل سنترك كل هذا الضجيج وكل هذه الفوضى، وما خلفها من جرائم دون نصوص قانونية تجرمها وتمنعها وتوقفها وتعاقب مرتكبها؟ أغلب الجرائم من ملفات الشرطة ليست فقط حوادث طرق أو سير فى الاتجاه العكسى أو قيادة أطفال «للتكاتك»، وإنما أغلبها جرائم اختطاف واغتصاب وتحرش، وتجارة أو تعاطى مخدرات!! وقبل أن تقول إن هذه جرائم تخضع لقانون العقوبات أو للقانون الجنائى نقول لا نريد تشريعات عقابية أو جنائية.. بل نقول إن هذه الجرائم تقع ومعها الإزعاج الشديد الذى تسببه مركبات التوك توك فى الشوارع كلها سببها المستوى التعليمى لسائقى «التكاتك» وانخفاض، إن لم يكن انعدام، المستوى الثقافى للكثيرين منهم وبالطبع لن تقوم الدولة بتعليمهم أو تربيتهم من جديد، لكن يمكن أن يتضمن قانون المرور الجديد نصاً يشترط عند الترخيص للتوك توك حصول صاحبه على شهادة سلوك تمنح له بعد حصوله على دورة تأهيلية قد يحدد القانون الجهة التى تمنحها، وقد تكون الشئون الاجتماعية أو المرور نفسه أو هما معاً أو هما وغيرهما معهما.. قد تحتاج الدورة ليوم أو ليومين أو أكثر.. لكنها ستجعل مصر كلها فى حالة حركة إيجابية كبيرة.. وفيها يتم ترشيد سلوك هؤلاء وتهذيبه وإرشادهم إلى السلوك القويم ضمن برنامج مكثف لذلك.. ولا تكتمل أوراق ترخيص التكاتك إلا بشهادة الحصول على هذه الدورة!
ربما قد تؤثر هذه الدورة فى البعض منهم.. وبأى نسبة كانت.. لكن أى نجاح بأى نسبة سيكون مكسباً للمجتمع بلا أى شك.. تخفيض الضوضاء مكسب.. النزول بمعدل الجرائم مكسب.. تحجيم نسبة المشاكل مكسب.. زيادة أمان المواطنين على أنفسهم وأولادهم مكسب، والرابح الأول هو المجتمع المصرى كله.. والمسأله سهلة وبسيطة وهى إضافة هذه الاقتراحات، وضمها للقانون فوراً.. قبل الموافقة عليه وقبل إقراره وكل ما ينطبق على التوك توك ينطبق على الميكروباص.. كل ما نحتاجه أن يتبنى الاقتراحات نائب من داخل البرلمان الموقر.. شرط أن يكون نائباً شجاعاً يختار مصلحة المجتمع وينتصر لها، حتى لو تعرض لسخافات من هنا أو من هناك.. وحتى لو عانى أى معاناة بسبب ذلك.. وقد لا يعانى أصلاً، لكنه سيدخل التاريخ بكل تأكيد..
لكن أن نترك ملايين القنابل المتحركة بين المصريين بلا ضابط أو رادع يحكم حركة وسلوك المركبة وصاحبها قبله، فسنكون للأسف أمام قانون ناقص فى وقت لا يحتمل القوانين الناقصة!