تقرير مُضحك بثّته قناة «الجزيرة» القطرية على هامش العمل الإرهابى الذى شهدته الواحات، عنوانه «مصر تبحث عمن يحميها».
دعك من افتقار التقرير إلى أبسط القيم المهنية، واعتماده على معلومات مكرورة وغير موثقة، يستنبط منها كاتب التقرير تحليلات ساذجة، أخرجته عن دائرة التقارير الإخبارية المهنية، إلى دائرة المنشورات التحريضية، ودعك أيضاً من أن القناة الناطقة بلسان قطر، ولم تلتفت إلى أن «تميم» أمير الدولة، هرول إلى تركيا بعد قرارات المقاطعة العربية، طلباً للحماية، فأرسل إليه «أردوغان» قوات لتحميه وتحمى نظامه، دعك من كل هذا، وتعالَ نناقش موضوعياً هذا السخف الذى بثته القناة.
منذ فجر التاريخ، ومصر تشكل مطمعاً للكثير من القوى الاستعمارية، وفى كل الأحوال كان العامل الأهم الذى يؤدى إلى كبح جماح هذه الأطماع هو الخوف من هذا الشعب.
هكذا ببساطة كانت ولا تزال «معادلة الخوف من الشعب» هى الحاكمة لكل من يفكر فى النيل من هذا البلد. الحملة الفرنسية أخرجها الشعب المصرى، ولم يكن لدينا وقتها جيش أو شرطة بالمعنى النظامى، وفى عصر محمد على تمكن أهل رشيد والحماد من صد الحملة الإنجليزية على مصر بقيادة جون فريزر عام 1807، فى حين كان الوالى منشغلاً بمطاردة المماليك فى الصعيد، وعندما عاد وجد أن الشعب «خلّص فى الإنجليز»، وفى العصر الحديث، الكل يذكر معركة أهالى السويس عام 1973 ضد جيش الاحتلال الإسرائيلى، وكيف أفلح البسطاء فى إخراج الصهاينة من أرض السويس.
تعالَ إلى مثال من واقعنا المعاصر. بعد ثورة يناير 2011، وما أعقبها من حالة اضطراب خلال حكم الجماعة، ثم ثورة 30 يونيو، شهدت مصر حالة من الارتباك غير المسبوق فى تاريخها، والكل يعلم أن إسرائيل لم تزل عدواً للمصريين، والسؤال هل جرؤت هذه الدولة على النيل من مصر بأى طريقة من الطرق، مستغلة هذه الظروف؟. لم يحدث، وليس من الممكن أن يحدث، لأن إسرائيل تعلم حقيقة هذا الشعب وطبيعته، وكيف أنه لا يصبر على عدو. قناة «الجزيرة» واهمة فى ما ذهبت إليه، بل بدت فى شكل المتآمر والأهبل.
جوهر «الهبل» يرتبط بوهم يعيشه البعض، يصور لهم أن بإمكان جماعة إرهابية أن تهز دولة، وأن تواجه جيشاً وشرطة منظمة، كل ما يمكن أن تفعله أن تنغص عليهم من حين إلى آخر، ليس أكثر. هذه التنغيصات لن تغير من الواقع شيئاً. تجارب التاريخ تقول إن التغيير والمواجهة إرادة شعب، وليس إرادة جماعة أو مؤسسة أو غيره. لقد أصبح منظر قناة «الجزيرة» وغيرها من القنوات التى تحذو حذوها سيئاً للغاية، فعندما يتخلى الإعلام عن مهنيته يتحول إلى ثرثرة فارغة، إن لم تثر الضحك، فسوف تثير الرثاء على حالة البؤس التى وصل إليها. الحلم الذى يراود البعض بأن يتحول هذا البلد إلى سوريا أو ليبيا أو اليمن فى عداد المستحيلات، كما أن تهديد المصريين بذلك أمر لا ينطلى عليهم. هذا الشعب لا يأكل نفسه، وهو يعلم أكثر من غيره قيمة التراب الذى يحيا عليه، ويحتويه عندما يغادر الحياة، لذا فعلى قناة «الجزيرة» وغيرها أن تحتكم إلى القاعدة التى تقول: «إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب».